أحدها : أنه يمنع من الصلاة ويسقط القضاء أما ترك الصلاة : فلرواية الزهري عن عمرة عائشة أن حمنة بنت جحش كانت تستحاض فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها وأما سقوط القضاء فلرواية عن الشافعي عن عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن معاذة العدوية أن امرأة سألت عائشة أتقضي الحائض الصلاة فقالت أحرورية أنت قد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي الصلاة ولا نؤمر بقضائها .
والثاني : أنه يمنع من الصيام ويوجب القضاء لرواية يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع عائشة تقول : " إن كان ليكون علي الصوم في رمضان فما أستطيع أن أقضيه حتى يأتي شعبان " يعني : صوم ما أفطرت بالحيض ، ثم فيه دليل على القضاء .
والفرق بين الصلاة في القضاء والصوم في وجوب القضاء لحوق المشقة في قضائها للصلاة دون الصيام فزادت المشقة في قضائها وقليلة الصيام وعدم المشقة في قضائه .
والثالث : الطواف بالبيت لرواية الشافعي عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن [ ص: 384 ] أبيه عن عائشة قالت : مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري . قدمت
والرابع : دخول المسجد لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ولأن حدث الحيض أغلظ من حدث الجنابة ، ثم كان نص الكتاب يمنع الجنب من المقام فيه فكانت الحائض مع ما يخاف تنجيس المسجد بدمها أحق بالمنع وإذا منعت من المسجد فهي ممنوعة من الاعتكاف لا محالة . " أما المسجد فلا أحله لجنب ولا لحائض
والخامس : مس المصحف لقوله تعالى لا يمسه إلا المطهرون [ الواقعة : 79 ] .
والسادس : قراءة القرآن وإن خالف فيه مالك ولما دللنا عليه من نهيه صلى الله عليه وسلم الجنب والحائض أن يقرءا شيئا من القرآن .
والسابع : الوطء لما ذكرنا من قوله تعالى : فاعتزلوا النساء في المحيض [ البقرة : 222 ] فأما الاستمتاع بما فوق الإزار وهو ما علا عن السرة وانحدر عن الركبة فمباح لرواية حبيب ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجر به وروى عن إبراهيم عن الأسود عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها . عن
فأما وهو ما بين السرة والركبة إذا عدل عن الفرج فقد اختلف فيه أصحابنا على ثلاثة أوجه : الاستمتاع بما دون الإزار
أحدها : وهو ظاهر المذهب : أنه محظور وبه قال من أصحابنا أبو العباس وعلي بن أبي هريرة ومن الفقهاء أبو حنيفة وأبو يوسف لرواية علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يحرم على الرجل من المرأة وهي حائض قال : ما تحت الإزار .
والوجه الثاني : أنه مباح وبه قال من أصحابنا أبو علي بن خيران وأبو إسحاق ومن الفقهاء مالك ومحمد بن الحسن لما روي أن ثلاثة رهط سألوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عما يحل من الحائض فقال : ما أحسم الحجرين ، ولأن الفرج هو المخصوص بالتحريم دون ما حوله كالدبر ، وتأولوا قوله أنه كناية عن الفرج وهو مشهور أنهم يكنون عن الفرج بالإزار قال ما تحت الإزار الأخطل :
[ ص: 385 ]
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم دون النساء ولو باتت بأطهار
والوجه الثالث : وهو قول أبي الفياض : إنه إن كان يضبط نفسه عن إصابة الفرج إما لضعف شهوته أو لقوة تخرجه جاز أن يستمتع بما بين السرة والركبة ، وإن لم يضبط نفسه عن ذلك لقوة شهوته وقلة تخرجه لم يجز فقد روى عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في فور حيضتنا أن نتزر ثم يباشرنا وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه . عنفصل : فإذا تقرر ما وصفنا من هذه الأحكام السبعة فهي متعلقة بكل حيض وجد في كل امرأة وقد يتعلق به حكمان يختصان ببعض النساء وهما : البلوغ والعدة بالأقراء فصارت مع هذين تسعة أحكام فإن خالفت المرأة في حال حيضها من هذه الأحكام فهي عاصية بارتكابها ولا شيء عليها فيما سوى الوطء ، وأما الوطء فإن كان فيما سوى الفرج مما بين السرة والركبة على ما ذكرنا في تحريمه على الصحيح من المذهب فلا شيء عليها فيه ولا على الواطئ ، وإن كان في الفرج فقد روى الشافعي عن سفيان بن أبي أمية عن مقسم عن ابن عباس يرفعه قال : . من أتى امرأة وهي حائض إن كان الدم عبيطا تصدق بدينار وإن كان أحمر تصدق بنصف دينار
قال الشافعي : إن صح هذا الحديث قلت به لأنه كان واقعا فيه فكان أبو حامد الإسفراييني وجمهور البغداديين يجعلونه قولا في القديم ومذهبنا وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق وكان أبو حامد المروزي وجمهور البصريين لا يخرجونه في القديم قولا ولا يجعلونه مذهبا : لأنه جعل الحكم فيه موقوفا على صحة الحديث ، وهو غير صحيح وكان أبو العباس يقول : لو صح الحديث لكان حمله على القديم استحبابا لا واجبا : لاحتمال المتعلق به .
ومذهب الشافعي في الجديد وما صح في سائر كتبه : أنه لا شيء على الواطئ في الحيض ولا الموطوءة الحائض لقوله صلى الله عليه وسلم : " ، ولأن الوطء إذا حرم لأجل الأذى لم يوجب الكفارة كالوطء في الدبر وقد روي أن رجلا قال ليس في المال حق سوى الزكاة لأبي بكر رضي الله عنه : رأيت في منامي كأني أبول دما قال : يوشك أن تطأ امرأتك وهي حائض قال نعم قال : استغفر الله ولا تعد ولم يوجب عليه كفارة .