الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يمسح على جرموقين قال في القديم يمسح عليهما ( قال المزني ) قلت أنا ولا أعلم بين العلماء في ذلك اختلافا وقوله معهم أولى به من انفراده عنهم وزعم إنما أريد بالمسح على الخفين المرفق فكذلك الجرموقان مرفق وهو بالخف شبية " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأما الجرموق فهو خف يلبس على خف ، فإن لبسه دون الخف الذي تحته ، جاز المسح عليه ، فإن لبسهما ، فإن كانا مخيطين قد حرز أحدهما بالآخر جاز المسح عليه ، كالخف المبطن ، وإن لم يكونا مخيطين جاز أن يمسح على الأسفل منهما ، وهل يجوز أن يمسح على الأعلى أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : قاله في القديم والإملاء ، وهو مذهب أبي حنيفة واختيار المزني أن المسح عليه جائز ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " يمسح المقيم يوما وليلة " ولأن ما جاز المسح عليه - وإن لم يكن تحته ملبوس - جاز المسح عليه وإن كان تحته ملبوس كالخف إذا لبس على جورب ، ولأنه لما جاز المسح على الأعلى إذا كان مخيطا بالأسفل جاز المسح عليه ، وإن كان منفصلا عن الأسفل كالملبوس على خف مخرق ، ولأن المسح على الخفين مرفق للحوق المشقة في نزعه ، فكذا الجرموق : لأن المشقة لاحقة في نزعه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : قاله في الجديد أن المسح على الجرموق الأعلى لا يجوز ، لأن ما جعل بدلا في الطهارة لم يجعله له بدلا آخر كالتيمم ، ولأنه مما لا يعلم لبسه فلم يجز المسح عليه ، كالقفازين ، ولأنه ساتر لممسوح فلم يقم في إسقاط الفرض مقام الممسوح كالعمامة ، ولأن ما لم يؤثر نزعه في نقض طهارته ، لم يؤثر لبسه في جواز مسحه كاللفائف فوق الخف .

                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا من القولين فإن قلنا : بقوله في الجديد إن المسح عليه لا يجوز فإن أراد المسح انتزع الأعلى ، ومسح على الأسفل ، سواء كان الأسفل منهما هو الخف ، أو الجرموق ، إلا أن يكون الأسفل قد تخرق أو انفتق فيجوز أن يمسح على الأعلى في القولين معا فإن كان الأعلى مخرقا فلا يمسح عليه ، ويمسح على الأسفل في القولين معا ، فإن أراد المسح على الأسفل نزع الأعلى أولا ثم مسح على الأسفل ، فإن مسح [ ص: 367 ] على الأسفل من غير أن ينزع الأعلى ، فقد كان أبو حامد الإسفراييني يمنع من جوازه ، ويفرق بينه وبين مسح الرأس من تحت العمامة فإن مسح الرأس أصل بذاته ، فكيف ما وصل إليه مسحه أجزأه ، ومسح الخف بدل فاختص بأكمل صفات المسح ، والصحيح الذي يذهب إليه جمهور أصحابنا جواز هذا المسح كجواز مسح الرأس من تحت العمامة ، وليس لما ذكرناه من الفرق في معنى المسح تأثير .

                                                                                                                                            فصل : وإن قلنا يجوز المسح على الأعلى فليس له المسح عليه إلا أن يلبس الأعلى والأسفل على طهارة ، فإن لبس الأسفل على طهارة ، والأعلى على حدث لم يجز المسح عليه ، حتى يلبسهما على طهارة ، فيمسح حينئذ على الأعلى ، فلو مسح على الأعلى على ما وصفناه ، ثم نزعه فقد اختلف أصحابنا في صحة طهارته على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن طهارته صحيحة كمن مسح على خف مبطن ، ثم كشط أعلاه .

                                                                                                                                            والثاني : أن طهارته قد فسدت بنزعه ، لاختصاصه بحكمه ، وصار كمن نزع خفه من رجله فيكون على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : يستأنف الوضوء والمسح على الخف الأسفل .

                                                                                                                                            والثاني : يقتصر على مسح الخف الأسفل وحده والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية