وأما ، فقد اختلف فيه ، وجمهور العلماء على أنه لا يقتل حر بعبد ، منهم قتل الحر بالعبد مالك ، وإسحاق ، ، وأبو ثور ، والشافعي وأحمد .
وممن قال بهذا أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وزيد ، وابن الزبير - رضي الله عنهم - ، وعمر بن عبد العزيز وعطاء ، والحسن ، وعكرمة ، ، كما نقله عنهم وعمرو بن دينار في المغني ، وغيره . ابن قدامة
وقال أبو حنيفة : يقتل الحر بالعبد : وهو مروي عن ، سعيد بن المسيب والنخعي ، وقتادة ، ، واحتج هؤلاء على قتل الحر بالعبد ، بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " والثوري " الحديث ، أخرجه المؤمنون تتكافأ [ ص: 383 ] دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم أحمد ، ، والنسائي وأبو داود ، والحاكم وصححه .
فعموم المؤمنين يدخل فيه العبيد ، وكذلك عموم النفس في قوله تعالى : أن النفس بالنفس الآية ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " والنفس بالنفس " في الحديث المتقدم ، واستدلوا أيضا بما رواه قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " " ، رواه من قتل عبده قتلناه ، ومن جدع عبده جدعناه ، وأصحاب السنن الأربعة ، وقال الإمام أحمد الترمذي : حسن غريب ، وفي رواية لأبي داود ، : " والنسائي " ، هذه هي أدلة من قال بقتل الحر بالعبد . ومن خصى عبده خصيناه
وأجيب عنها من جهة الجمهور بما ستراه الآن - إن شاء الله تعالى - أما دخول قتل الحر بالعبد في عموم المؤمنين في حديث : " " . وعموم النفس بالنفس في الآية ، والحديث المذكورين ، فاعلم أولا أن دخول العبيد في عمومات نصوص الكتاب والسنة اختلف فيه علماء الأصول على ثلاثة أقوال : المؤمنون تتكافأ دماؤهم
الأول : وعليه أكثر العلماء : أن العبيد داخلون في عمومات النصوص ; لأنهم من جملة المخاطبين بها .
الثاني : وذهب إليه بعض العلماء من المالكية ، والشافعية ، وغيرهم أنهم لا يدخلون فيها إلا بدليل منفصل ، واستدل لهذا القول بكثرة عدم دخولهم ، كعدم دخولهم في خطاب الجهاد ، والحج ، وكقوله تعالى : والمطلقات يتربصن الآية [ 2 \ 228 ] ، فالإماء لا يدخلن فيه .
الثالث : وذهب إليه الرازي من الحنفية أن النص العام ، إن كان من العبادات ، فهم داخلون فيه ، وإن كان من المعاملات لم يدخلوا فيه ، وأشار في " مراقي السعود " إلى أن دخولهم في الخطاب العام هو الصحيح الذي يقتضيه الدليل بقوله : [ الرجز ]
والعبد والموجود والذي كفر مشمولة له لدى ذوي النظر وينبني على الخلاف في دخولهم في عمومات النصوص ، وجوب صلاة الجمعة على المملوكين ، فعلى أنهم داخلون في العموم فهي واجبة عليهم ، وعلى أنهم لا يدخلون فيه إلا بدليل منفصل ، فهي غير واجبة عليهم ، وكذلك إقرار العبد بالعقوبة ببدنه ينبني أيضا على الخلاف المذكور ، قاله صاحب " نشر البنود شرح مراقي السعود " في [ ص: 384 ] شرح البيت المذكور آنفا ، فإذا علمت هذا ، فاعلم أنه على القول بعدم دخول العبيد في عموم نصوص الكتاب والسنة ، فلا إشكال .
وعلى القول بدخولهم فيه ، فالجواب عن عدم إدخالهم في عموم النصوص التي ذكرناها يعلم من أدلة الجمهور الآتية - إن شاء الله - على عدم قتل الحر بالعبد ، وأما حديث سمرة فيجاب عنه من أوجه :
الأول : أن أكثر العلماء بالحديث تركوا رواية الحسن عن سمرة ; لأنه لم يسمع منه ، وقال قوم : لم يسمع منه إلا حديث العقيقة ، وأثبت ، علي بن المديني سماعه عنه . والبخاري
قال البيهقي في " السنن الكبرى " في كتاب " الجنايات " ما نصه : وأكثر أهل العلم بالحديث رغبوا عن رواية الحسن عن سمرة .
وذهب بعضهم إلى أنه لم يسمع منه غير حديث العقيقة ، وقال أيضا في باب " النهي عن بيع الحيوان بالحيوان " : إن أكثر الحفاظ لا يثبتون سماع الحسن من سمرة في غير حديث العقيقة .
الثاني : أن الحسن كان يفتي بأن الحر لا يقتل بالعبد ، ومخالفته لما روى تدل على ضعفه عنده ، قال البيهقي أيضا ما نصه : قال قتادة : ثم إن الحسن نسي هذا الحديث ، قال : لا يقتل حر بعبد ، قال الشيخ : يشبه أن يكون الحسن لم ينس الحديث ، لكن رغب عنه لضعفه .
الثالث : ما ذكره صاحب " منتقى الأخبار " من أن أكثر العلماء قال بعدم قتل الحر بالعبد ، وتأولوا الخبر على أنه أراد من كان عبده ، لئلا يتوهم تقدم الملك مانعا من القصاص .
الرابع : أنه معارض بالأدلة التي تمسك بها الجمهور في عدم قتل الحر بالعبد ، وستأتي - إن شاء الله تعالى - مفصلة ، وهي تدل على النهي عن قتل الحر بالعبد ، والنهي مقدم على الأمر ، كما تقرر في الأصول .
الخامس : ما ادعى ابن العربي دلالته على بطلان هذا القول من قوله تعالى : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا [ 17 \ 33 ] ، وولي العبد سيده ، قال القرطبي في تفسير قوله تعالى : الحر بالحر والعبد بالعبد الآية ، ما نصه : قال ابن العربي : [ ص: 385 ] ولقد بلغت الجهالة بأقوام إلى أن قالوا : يقتل الحر بعبد نفسه . ورووا في ذلك حديثا عن الحسن عن سمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " " ، وهو حديث ضعيف . من قتل عبده قتلناه
ودليلنا قوله تعالى : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل ، والولي هاهنا : السيد ، فكيف يجعل له سلطان على نفسه ، وقد اتفق الجميع على أن السيد إذا قتل عبده خطأ ; أنه لا تؤخذ منه قيمته لبيت المال . اهـ .
وتعقب القرطبي تضعيف ابن العربي لحديث الحسن هذا عن سمرة ، بأن ، البخاري صححا سماعه منه ، وقد علمت تضعيف الأكثر لرواية وابن المديني الحسن عن سمرة فيما تقدم ; ويدل على ضعفه مخالفة الحسن نفسه له .
السادس : أن الحديث خارج مخرج التحذير ، والمبالغة في الزجر .
السابع : ما قيل من أنه منسوخ .
قال الشوكاني : ويؤيد النسخ فتوى الحسن بخلافه .
الثامن : مفهوم قوله تعالى : والعبد بالعبد ، ولكنا قد قدمنا عدم اعتبار هذا المفهوم ، كما يدل عليه سبب النزول .
واحتج القائلون بأن الحر لا يقتل بالعبد - وهم الجمهور - بأدلة ، منها ما رواه ، بإسناده عن الدارقطني ، عن إسماعيل بن عياش ، عن الأوزاعي ، عن أبيه ، عن جده : " عمرو بن شعيب " ، ورواية أن رجلا قتل عبده متعمدا ، فجلده النبي - صلى الله عليه وسلم - ونفاه سنة ، ومحا اسمه من المسلمين ، ولم يقده به ، وأمره أن يعتق رقبة ، عن الشاميين ، قوية صحيحة . إسماعيل بن عياش
ومعلوم أن شامي دمشقي ، قال في " نيل الأوطار " : ولكن دونه في إسناد هذا الحديث الأوزاعي محمد بن عبد العزيز الشامي ، قال فيه : لم يكن عندهم بالمحمود ، وعنده غرائب . ابن أبي حاتم
وأسند البيهقي هذا الحديث ، فقال : أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه ، أنبأ ، ثنا علي بن عمر الحافظ الحسين بن الحسين الصابوني الأنطاكي ، قاضي الثغور ، ثنا محمد بن الحكم الرملي ، ثنا محمد بن عبد العزيز الرملي ، ثنا عن [ ص: 386 ] إسماعيل بن عياش إلى آخر السند المتقدم بلفظ المتن ، الأوزاعي ومحمد بن عبد العزيز الرملي من رجال ، وقال فيه البخاري ابن حجر في " التقريب " : صدوق يهم ، فتضعيف هذا الحديث به لا يخلو من نظر .
والظاهر أن تضعيف البيهقي له من جهة ، وقد عرفت أن الحق كونه قويا في الشاميين ، دون الحجازيين ، كما صرح به أئمة الحديث كالإمام إسماعيل بن عياش أحمد ، ، ولحديث والبخاري هذا شاهد من حديث عمرو بن شعيب علي عند البيهقي ، وغيره ، من طريق ، عن إسماعيل بن عياش إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن عن أبيه ، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين - رضي الله عنه - قال : " علي بن أبي طالب " . ولكن أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل قتل عبده متعمدا ، فجلده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة ، ونفاه سنة ، ومحا اسمه من المسلمين ، ولم يقده به إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة متروك .
ومن أدلتهم على أن الحر لا يقتل بعبد ما رواه البيهقي ، وغيره ، : " أنه جاءته جارية اتهمها سيدها ، فأقعدها في النار فاحترق فرجها ، فقال رضي الله عنه : والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يقاد مملوك من مالكه ، ولا ولد من والده " ، لأقدناها منك فبرزه ، وضربه مائة سوط ، وقال للجارية : اذهبي فأنت حرة لوجه الله ، وأنت مولاة الله ورسوله عمر بن الخطاب " . عن
قال أبو صالح ، وقال الليث : وهذا القول معمول به ، وفي إسناد هذا الحديث عمر بن عيسى القرشي الأسدي . ذكر البيهقي عن أبي أحمد أنه سمع ابن حماد يذكر عن أنه منكر الحديث . البخاري
وقال فيه الشوكاني : هو منكر الحديث ، كما قال : ومن أدلتهم على أن الحر لا يقتل بعبد ، ما رواه البخاري ، الدارقطني والبيهقي ، عن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ابن عباس " ، قال لا يقتل حر بعبد البيهقي بعد أن ساق هذا الحديث : وفي هذا الإسناد ضعف ، وإسناده المذكور فيه جويبر ، وهو ضعيف جدا .
وقال الشوكاني في إسناد هذا الحديث : فيه جويبر وغيره من المتروكين ، ومن أدلتهم على أن الحر لا يقتل بعبد ، ما رواه البيهقي وغيره من طريق جابر بن زيد الجعفي ، عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : " من السنة ألا يقتل حر بعبد " تفرد بهذا الحديث جابر المذكور ، وقد ضعفه الأكثر ، وقال فيه ابن حجر في " التقريب " : ضعيف [ ص: 387 ] رافضي .
وقال فيه : متروك ، ووثقه قوم منهم النسائي ، وذكر الثوري البيهقي في " السنن الكبرى " في باب " النهي عن الإمامة جالسا " عن : أنه متروك . الدارقطني
ومن أدلتهم أيضا ما رواه البيهقي في " السنن الكبرى " من طريق المثنى بن الصباح ، عن ، عن أبيه ، عن جده عمرو بن شعيب - رضي الله عنهما - قال : عبد الله بن عمرو بن العاص لزنباع عبد يسمى سندرا ، أو ابن سندر ، فوجده يقبل جارية له ، فأخذه فجبه ، وجدع أذنيه وأنفه ، فأتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال " من مثل بعبده أو حرقه بالنار فهو حر ، وهو مولى الله ورسوله " ، فأعتقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقده منه ، فقال : يا رسول الله أوص بي ، فقال : " أوصي بك كل مسلم " . كان
قال البيهقي بعد أن ساق هذا الحديث : المثنى بن الصباح ضعيف لا يحتج به ، وقد روي عن عن الحجاج بن أرطأة عمرو مختصرا ، ولا يحتج به ، وقد قدمنا في آية التيمم تضعيف . حجاج بن أرطأة
وروي عن سوار بن أبي حمزة ، وليس بالقوي ، والله أعلم ، هكذا قال البيهقي .
قال مقيده - عفا الله عنه - : سوار بن أبي حمزة من رجال مسلم ، وقال فيه ابن حجر في " التقريب " : صدوق له أوهام ، ومن أدلتهم أيضا ما أخرجه أبو داود من حديث ، عن أبيه ، عن جده قال : عمرو بن شعيب " ، ومن أدلتهم ، ما أخرجه جاء رجل مستصرخ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : حادثة له يا رسول الله ، فقال : " ويحك ما لك ؟ " فقال : شر ، أبصر لسيده جارية ، فغار ، فجب مذاكيره ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " علي بالرجل " ، فطلب فلم يقدر عليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اذهب فأنت حر " ، فقال : يا رسول الله على من نصرتي ؟ ، قال : " على كل مؤمن " ، أو قال : " على كل مسلم البيهقي في " السنن الكبرى " عن أبي جعفر ، عن بكير أنه قال : مضت السنة بألا يقتل الحر المسلم بالعبد ، وإن قتله عمدا ، وعليه العقل .
ومن أدلتهم أيضا ما أخرجه البيهقي أيضا عن الحسن ، وعطاء ، ، وغيرهم من قولهم : إنه لا يقتل حر بعبد ، وأخرج والزهري أحمد ، ، وابن أبي شيبة والبيهقي ، عن ، عن أبيه ، عن جده : " أن عمرو بن شعيب أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بالعبد " ، وهذه الروايات الكثيرة ، وإن كانت لا يخلو شيء منها من مقال ، فإن بعضها يشد بعضا ، [ ص: 388 ] ويقويه حتى يصلح المجموع للاحتجاج .
قال الشوكاني في " نيل الأوطار " ما نصه : وثانيا بالأحاديث القاضية ; بأنه لا يقتل حر بعبد ، فإنها قد رويت من طرق متعددة يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج .
قال مقيده - عفا الله عنه - : وتعتضد هذه الأدلة على ألا يقتل حر بعبد بإطباقهم على عدم القصاص للعبد من الحر فيما دون النفس ، فإذا لم يقتص له منه في الأطراف ، فعدم القصاص في النفس من باب أولى ، ولم يخالف في أنه لا قصاص للعبد من الحر فيما دون النفس إلا داود ، ، وتعتضد أيضا بإطباق الحجة من العلماء ، على أنه إن قتل خطأ ففيه القيمة ، لا الدية . وابن أبي ليلى
وقيده جماعة بما إذا لم تزد قيمته عن دية الحر ، وتعتضد أيضا بأن شبه العبد بالمال أقوى من شبهه بالحر ، من حيث إنه يجري فيه ما يجري في المال من بيع ، وشراء ، وإرث ، وهدية ، وصدقة ، إلى غير ذلك من أنواع التصرف ، وبأنه لو قذفه حر ما وجب عليه الحد عند عامة العلماء ، إلا ما روي عن ، ابن عمر والحسن ، وأهل الظاهر من وجوبه في قذف أم الولد خاصة .
ويدل على عدم ما رواه حد الحر بقذفه العبد في صحيحه ، عن البخاري - رضي الله عنه - قال : سمعت أبي هريرة أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول : " " ، وهو يدل على عدم جلده في الدنيا ، كما هو ظاهر . من قذف مملوكه وهو بريء مما يقول جلد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال
هذا ملخص كلام العلماء في حكم قتل الحر بالعبد .