وقد قدمنا أنه المنقول عن أكثر أهل اللغة ، وإنما جاز التحلل من إحصار العدو عند من قال بهذا القول ; لأنه من إلغاء الفارق وأخذ حكم المسكوت عنه من المنطوق به ، فإحصار العدو عندهم ملحق بإحصار المرض بنفي الفارق .
ولا يخفى سقوط هذا القول لما قدمنا من أن الآية الكريمة نزلت في إحصار العدو عام الحديبية ، وأن صورة سبب النزول قطعية الدخول ، كما عليه الجمهور وهو الحق .
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لنا رجحانه بالدليل من الأقوال المذكورة هو ما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد في أشهر الروايتين عنه أن المراد بالإحصار في الآية إحصار العدو ، وأن من أصابه مرض أو نحوه لا يحل إلا بعمرة ; لأن هذا هو الذي نزلت فيه الآية ودل عليه قوله تعالى : ( فإذا أمنتم ) [ 2 \ 196 ] .
ولا سيما على قول من قال من العلماء : إن ، وهو قول جماعة من أهل العلم . الرخصة لا تتعدى محلها
وأما حديث عكرمة الذي رواه عن الحجاج بن عمرو ، ، وابن عباس - رضي الله عنهم - فلا تنهض به حجة ; لتعين حمله على ما إذا اشترط ذلك عند الإحرام ; بدليل ما قدمنا من حديث وأبي هريرة عائشة عند الشيخين ، وحديث عند ابن عباس مسلم ، وأصحاب السنن ، وغيرهم من : " حجي واشترطي " لضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ولو كان التحلل جائزا دون شرط كما يفهم من حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال الحجاج بن عمرو لما كان للاشتراط فائدة ، وحديث عائشة بالاشتراط أصح من حديث وابن عباس عكرمة ، عن الحجاج بن عمرو ، والجمع بين الأدلة واجب إذا أمكن ، وإليه أشار في " مراقي السعود " بقوله : [ الرجز ] [ ص: 81 ]
والجمع واجب متى ما أمكنا إلا فللأخير نسخ بينا
وهو ممكن في الحديثين بحمل حديث الحجاج بن عمرو على ما إذا اشترط ذلك في الإحرام ، فيتفق مع الحديثين الثابتين في الصحيح ، فإن قيل : يمكن الجمع بين الأحاديث بغير هذا ، وهو حمل أحاديث الاشتراط على أنه يحل من غير أن تلزمه حجة أخرى ، وحمل حديث عكرمة ، عن الحجاج بن عمرو وغيره على أنه يحل ، وعليه حجة أخرى ، ويدل لهذا الجمع أن أحاديث الاشتراط ليس فيها ذكر حجة أخرى .
وحديث الحجاج بن عمرو ، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " " . فقد حل وعليه حجة أخرى
فالجواب أن وجوب البدل بحجة أخرى أو عمرة أخرى لو كان يلزم ، لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يقضوا عمرتهم التي صدهم عنها المشركون .
قال في " صحيحه " في باب " من قال ليس على المحصر بدل " ما نصه : وقال البخاري مالك وغيره ينحر هديه ، ويحلق في أي موضع كان ، ولا قضاء عليه ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا وحلوا من كل شيء قبل الطواف ، وقبل أن يصل الهدي إلى البيت ، ثم لم يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أحدا أن يقضوا شيئا ، ولا يعودوا له والحديبية خارج من الحرم . انتهى منه بلفظه .
وقد قال مالك في " الموطأ " إنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حل هو وأصحابه بالحديبية ، فنحروا الهدي ، وحلقوا رءوسهم ، وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت ، وقبل أن يصل إليه الهدي ، ثم لم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أحدا من أصحابه ، ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ، ولا يعودوا لشيء . انتهى بلفظه من [ الموطأ ] . ولا يعارض ما ذكرنا بما رواه في المغازي من طريق الواقدي ، ومن طريق الزهري أبي معشر وغيرهما ، قالوا : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يعتمروا فلم يتخلف منهم إلا من قتل بخيبر ، أو مات ، وخرج معه جماعة معتمرين ممن لم يشهدوا الحديبية ، وكانت عدتهم ألفين ; لأن - رحمه الله - قال : والذي أعقله في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت ; لأنا علمنا من متواطئ أحاديثهم أنه كان معه عام الشافعي الحديبية رجال معروفون ، ثم اعتمر عمرة القضية ، فتخلف بعضهم بالمدينة من غير ضرورة في نفس ولا مال ، ا ه .
فهذا - رحمه الله - جزم بأنهم تخلف منهم رجال معروفون من غير ضرورة في نفس ولا مال . وقد تقرر في الأصول أن المثبت مقدم على النافي . الشافعي
[ ص: 82 ] وقال ابن حجر في " الفتح " : ويمكن الجمع بين هذا إن صح وبين الذي قبله ، بأن الأمر كان على طريق الاستحباب ; لأن جازم بأن جماعة تخلفوا بغير عذر . الشافعي
وقال في عمرة القضاء : إنما سميت الشافعي والقضية للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين عمرة القضاء قريش ، لا على أنهم وجب عليهم قضاء تلك العمرة ، ا ه .
وروى نحو هذا من حديث الواقدي قاله ابن عمر ابن حجر .
وقال في " صحيحه " في الباب المذكور ما نصه : " وقال البخاري روح ، عن شبل ، عن ، عن ابن أبي نجيح مجاهد ، عن - رضي الله عنهما - إنما البدل على من نقض حجه بالتلذذ ، فأما من حبسه عذر ، أو غير ذلك فإنه يحل ، ولا يرجع " . انتهى محل الغرض منه بلفظه . ابن عباس
وقد ورد عن نحو هذا بإسناد آخر أخرجه ابن عباس من طريق ابن جرير علي بن أبي طلحة عنه ، وفيه : فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها ، وإن كانت غير الفريضة فلا قضاء عليه ، ا ه . فإذا علمت هذا وعلمت أن - رضي الله عنهما - ممن روى عنه ابن عباس عكرمة الحديث الذي روي عن الحجاج بن عمرو ، وأن راوي الحديث من أعلم الناس به ، ولا سيما إن كان الذي دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعلمه التأويل ، وهو مصرح بأن معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس الحجاج بن عمرو وعليه حجة أخرى ، محله فيما إذا كانت عليه حجة الإسلام ، تعلم أن الجمع الأول الذي ذكرنا هو المتعين ، واختاره النووي وغيره من علماء الشافعية ، وأن الجمع الأخير لا يصح ; لتعين حمل الحجة المذكورة على حجة الإسلام ، ا ه .
وأما على قول من قال : إنه لا إحصار إلا بالعدو خاصة ، وأن المحصر بمرض لا يحل حتى يبرأ ، ويطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم يحل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا ، فيهدي أو يصوم ، إن لم يجد هديا كما ثبت في " صحيح " من حديث البخاري كما تقدم . ابن عمر
فهو من حيث أن المريض عندهم غير محصر ، فهو كمن عرفة يطوف ويسعى ويحج من قابل ، ويهدي أو يصوم إن لم يجد هديا ، ا ه . أحرم وفاته وقوف