الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( بديع السماوات والأرض ) : لما ذكر أنه مالك لجميع من في السماوات والأرض ، وأنهم كل قانتون له ، وهم المظروف للسماوات والأرض ، ذكر الظرفين وخصهما بالبداعة ، لأنهما أعظم ما نشاهده من المخلوقات . وارتفاع " بديع " على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وهو من باب الصفة المشبهة باسم الفاعل . فالمجرور مشبه بالمفعول ، وأصله الأول بديع سماواته ، ثم شبه الوصف فأضمر فيه ، فنصب السماوات ، ثم جر من نصب . وفيه أيضا ضمير يعود على الله تعالى ، ويكون المعنى في الأصل أنه تعالى بدعت سماواته ، أي جاءت في الخلق على شكل مبتدع لم يسبق نظيره . وهذا الوجه ابتدأ به الزمخشري ، إلا أنه قال : وبديع السماوات من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها ، وهذا ليس عندنا . كذلك بل من إضافة الصفة المشبهة إلى منصوبها . والصفة عندنا لا تكون مشبهة حتى تنصب أو تخفض ، وأما إذا رفعت ما بعدها فليس - عندنا - صفة مشبهة ؛ لأن عمل الرفع في الفاعل يستوي فيه الصفات المتعدية وغير المتعدية . فإذا قلنا : زيد قائم أبوه ، فقائم رافع للأب على حد رفع ضارب له . إذا قلت : زيد ضارب أبوه عمرا ، لا تقول : إن قائما هنا من حيث عمل الرفع شبه بضارب ، وإذا كان كذلك ، فإضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه لا يجوز لما تقرر في علم العربية ، إلا إن أخذنا كلام الزمخشري على التجوز فيمكن ، ويكون المعنى من إضافة الصفة المشبهة إلى ما كان فاعلا بها قبل أن يشبه . وحكى الزمخشري وجها ثانيا قال : وقيل البديع بمعنى المبدع ، كما أن السميع في قول عمرو :


أمن ريحانة الداعي السميع



بمعنى المسمع ، وفيه نظر . انتهى كلامه . وهذا الوجه لم يذكر ابن عطية غيره ، قال : وبديع مصروف من مبدع ، كبصير من مبصر ، ومنه قول عمرو بن معدي كرب :


أمن ريحانة الداعي السميع     يؤرقني وأصحابي هجوع



يريد : المسمع والمبدع والمنشئ ، ومنه أصحاب البدع ، ومنه قول عمر بن الخطاب في صلاة رمضان : نعمت البدعة هذه ، انتهى . والنظر الذي ذكره الزمخشري - والله أعلم - أن فعيلا بمعنى مفعل لا ينقاس مع أن بيت عمرو محتمل للتأويل . وعلى هذا الوجه يكون من باب إضافة اسم الفاعل لمفعوله . وقرأ المنصور : بديعا بالنصب على المدح ، وقرئ بالجر على أنه بدل من الضمير في له .

التالي السابق


الخدمات العلمية