وممن توفي فيها من الأعيان :
أبو عثمان النهدي القضاعي
اسمه ، أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وغزا عبد الرحمن بن مل جلولاء والقادسية وتستر ونهاوند وأذربيجان وغيرها ، وكان كثير العبادة ، زاهدا عالما ، يصوم النهار ويقوم الليل ، توفي وعمره مائة وثلاثون سنة بالكوفة .
صلة بن أشيم العدوي
من كبار التابعين من أهل البصرة ، وكان ذا فضل وورع وعبادة وزهد ، كنيته أبو الصهباء ، كان يصلي حتى ما يستطيع أن يأتي الفراش إلا حبوا ، وله مناقب كثيرة جدا ، منها أنه كان يمر عليه شباب يلهون [ ص: 266 ] ويلعبون ، فيقول : أخبروني عن قوم أرادوا سفرا ، فحادوا في النهار عن الطريق ، وناموا الليل ، فمتى يقطعون سفرهم ؟ فقال لهم يوما هذه المقالة ، فقال شاب منهم : والله يا قوم إنه ما يعني بهذا غيرنا ، نحن بالنهار نلهو وبالليل ننام . ثم تبع صلة ، فلم يزل يتعبد معه حتى مات ، ومر عليه فتى يجر ثوبه ، فهم أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم ، فقال : دعوني أكفكم أمره . ثم دعاه فقال : . قال : نعم ، ونعمت عين . فرفع إزاره ، فقال يابن أخى ، لي إليك حاجة . قال : وما حاجتك ؟ قال : أن ترفع إزارك صلة : هذا أمثل مما أردتم ، لو شتمتموه لشتمكم .
ومنها ما حكاه جعفر بن زيد قال : خرجنا في غزاة ، وفى الجيش ، فنزل الناس عند العتمة ، فقلت : لأرمقن عمله الليلة . فدخل غيضة ، ودخلت في أثره ، فقام يصلي ، وجاء الأسد حتى دنا منه ، وصعدت أنا في شجرة . قال : فتراه التفت ، أو عده جروا حتى سجد ؟ فقلت : الآن يفترسه . فجلس ، ثم سلم ، فقال : أيها السبع ، إن كنت أمرت بشيء فافعل ، وإلا فاطلب الرزق من مكان آخر . فولى الأسد وإن له لزئيرا تصدع منه الجبال ، فلما كان عند الصباح جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها ، ثم قال : صلة بن أشيم ؟ ثم رجع إلى الجيش ، فأصبح كأنه بات على الحشايا ، وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم . اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ، أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة
قال : وذهبت بغلته بثقلها ، فقال : اللهم إني أسألك أن ترد علي بغلتي [ ص: 267 ] بثقلها . فجاءت حتى قامت بين يديه . قال : فلما التقينا العدو حمل هو وهشام بن عامر ، فصنعا بهم طعنا وضربا ، فقال العدو : رجلان من العرب صنعا بنا هذا ؛ فكيف لو قاتلونا كلهم ؟ أعطوا المسلمين حاجتهم . يعني انزلوا على حكمهم .
وقال صلة : جعت مرة في غزاة جوعا شديدا ، فبينما أنا أسير أدعو ربي وأستطعمه ، إذ سمعت وجبة من خلفي ، فالتفت فإذا أنا بمنديل أبيض ، فإذا فيه دوخلة ملآنة رطبا ، فأكلت منه حتى شبعت ، وأدركني المساء ، فملت إلى دير راهب فحدثته الحديث ، فاستطعمني من الرطب فأطعمته ، ثم إني مررت على ذلك الراهب بعد زمان فإذا نخلات حسان ، فقال : إنهن لمن الرطبات التي أطعمتني . وجاء بذلك المنديل إلى امرأته فكانت تريه للناس .
ولما أهديت معاذة إلى صلة ، أدخله ابن أخيه الحمام ، ثم أدخله بيت العروس ; بيتا مطيبا ، فقام يصلي ، فقامت تصلي معه ، فلم يزالا يصليان حتى برق الصبح . قال : فأتيته ، فقلت له : أي عم ، أهديت إليك ابنة عمك الليلة ، فقمت تصلي وتركتها . قال : إنك أدخلتني بيتا أول النهار أذكرتني به النار ، وأدخلتني بيتا آخر النهار أذكرتني به الجنة ، فلم تزل فكرتي فيهما حتى أصبحت . البيت الذي أذكره به النار هو الحمام ، والبيت الذي أذكره به الجنة هو بيت العروس .
[ ص: 268 ] وقال له رجل : ادع الله لي . فقال : رغبك الله فيما يبقى ، وزهدك فيما يفنى ، ورزقك اليقين الذي لا تركن إلا إليه ، ولا تعول في الدين إلا عليه . وكان صلة في غزاة ، ومعه ابنه ، فقال له : أي بني ، تقدم فقاتل حتى أحتسبك . فحمل فقاتل حتى قتل ، ثم تقدم صلة فقاتل حتى قتل ، فاجتمع النساء عند امرأته معاذة العدوية ، فقالت : إن كنتن جئتن لتهنئنني فمرحبا بكن ، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن .
توفي صلة في غزاة هو وابنه نحو بلاد فارس في هذه السنة .
زهير بن قيس البلوي
شهد فتح مصر وسكنها ، له صحبة ، قتلته الروم ببرقة من بلاد المغرب ، وذلك أن الصريخ أتى الحاكم بمصر - وهو عبد العزيز بن مروان - أن الروم نزلوا برقة ، فأمره بالنهوض إليهم ، فساق زهير ومعه أربعون نفسا ، فوجد الروم ، فأراد أن يكف عن القتال حتى يلحقه العسكر ، فقالوا : يا أبا شداد ، احمل بنا عليهم . فحملوا ، فقتلوا جميعا .
المنذر بن الجارود
مات في هذه السنة . تولى بيت المال ، ووفد على معاوية ، والله سبحانه أعلم .