[ ص: 78 ] وفيها توفي وابن عم رسول الملك الديان عبد الله بن عباس ترجمان القرآن ،
هو بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم حبر هذه الأمة ، ومفسر كتاب الله وترجمانه ، كان يقال له : الحبر والبحر ، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كثيرا ، وعن جماعة من الصحابة ، وأخذ عنه خلق من الصحابة ، وأمم من التابعين ، وله مفردات ليست لغيره من الصحابة ; لاتساع علمه وكثرة فهمه وكمال عقله وسعة فضله ونبل أصله رضي الله عنه وأرضاه . عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أبو العباس الهاشمي
وأمه الهلالية أخت أم الفضل لبابة بنت الحارث أم المؤمنين ، وهو والد الخلفاء العباسيين وهو أحد إخوة عشرة ذكور ميمونة بنت الحارث للعباس من أم الفضل ، وهو آخرهم مولدا ، وقد مات كل واحد منهم في بلد بعيد من الآخر جدا ، كما سيأتي ذلك .
قال ، عن مسلم بن خالد الزنجي المكي ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب جاء أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 79 ] فقال : يا محمد أرى أم الفضل قد اشتملت على حمل ، فقال : " " قال : فأتى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في خرقة فحنكني بريقه . قال لعل الله أن يقر أعينكم مجاهد : فلا نعلم أحدا حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بريقه غيره . وفي رواية أخرى : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فولدت لعل الله أن يبيض وجوهنا بغلام ، وعن عبد الله بن عباس قال : ولد عمرو بن دينار ابن عباس عام الهجرة .
وروى الواقدي ، من طريق شعبة ، عن ابن عباس أنه قال : ولدت قبل الهجرة بثلاث سنين ونحن في الشعب ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث عشرة سنة ، ثم قال الواقدي : وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل العلم ، واحتج الواقدي بأنه كان قد ناهز الحلم عام حجة الوداع .
وفي " صحيح " عن البخاري ابن عباس ، قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مختون ، وكانوا لا يختنون الغلام حتى يحتلم . وقال شعبة ، و هشيم [ ص: 80 ] وأبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين ، مختون . زاد هشيم : وقد جمعت المحكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت : وما المحكم ؟ قال : المفصل .
وقال ، عن أبو داود الطيالسي شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة مختون . وهذا هو الأصح ، ويؤيده صحة ما ثبت في " الصحيحين " ، ورواه مالك ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس قال : أقبلت راكبا على حمار أتان ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار ، فمررت بين يدي بعض الصف ، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف ، فلم ينكر ذلك علي أحد . وثبت عنه في " الصحيح " أنه قال : كنت أنا وأمي من المستضعفين ; [ ص: 81 ] كانت أمي من النساء وكنت أنا من الولدان . وهاجر مع أبيه قبل الفتح ، فاتفق لقياهما النبي صلى الله عليه وسلم بالجحفة وهو ذاهب لفتح مكة ، فشهد الفتح وحنينا والطائف عام ثمان ، وقيل : كان في سنة تسع ، وحجة الوداع سنة عشر . وصحب النبي صلى الله عليه وسلم من حينئذ ولزمه وأخذ عنه وحفظ ، وضبط الأقوال والأفعال والأحوال ، وأخذ عن الصحابة علما عظيما مع الفهم الثاقب والبلاغة والفصاحة والجمال والملاحة والأصالة والبيان ، ودعا له رسول الرحمن صلى الله عليه وسلم ، وذلك كما وردت به الأحاديث الثابتة الأركان أن . رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له بأن يعلمه الله التأويل ، وأن يفقهه في الدين
وقال الزبير بن بكار : حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني ، عن داود بن عطاء ، عن ، عن زيد بن أسلم ابن عمر أنه قال : إن عمر كان يدعو فيقربه ويقول : عبد الله بن عباس إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يوما فمسح رأسك ، وتفل في فيك وقال : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ، وبه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم بارك فيه وانشر منه ، وقال حماد بن سلمة ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بت في بيت خالتي ميمونة فوضعت للنبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 82 ] غسلا فقال : من وضع هذا ؟ قالوا : فقال : اللهم علمه التأويل ، وفقهه في الدين عبد الله بن عباس . وقد رواه غير واحد ، عن ابن خثيم بنحوه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن بكر ، ثنا حاتم بن أبي صغيرة أبو يونس ، عن أن عمرو بن دينار أخبره أن كريبا ابن عباس قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل فصليت خلفه ، فأخذ بيدي فجرني حتى جعلني حذاءه ، فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته خنست ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما انصرف قال لي : ما شأني أجعلك في حذائي فتخنس ؟ فقلت : يا رسول الله أوينبغي لأحد أن يصلي حذاءك ، وأنت رسول الله الذي أعطاك الله عز وجل ؟ قال : فأعجبته ، فدعا الله لي أن يزيدني علما وفهما ، قال : ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى سمعته ينفخ ، ثم أتاه بلال فقال : يا رسول الله ، الصلاة . فقام فصلى ما أعاد وضوءا .
وقال الإمام أحمد وغيره : حدثنا ، ثنا هاشم بن القاسم ورقاء ، سمعت عبيد الله بن أبي يزيد يحدث عن ابن عباس ، قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلاء فوضعت له وضوءا ، فلما خرج قال : من وضع ذا ؟ فقيل : ابن عباس . فقال : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل [ ص: 83 ] وقال الثوري وغيره ، عن ليث ، عن أبي جهضم موسى بن سالم ، عن ابن عباس ، أنه رأى جبريل ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له بالحكمة - وفي رواية بالعلم - مرتين .
وقال : حدثنا الدارقطني وآخرون ، قالوا : حدثنا حمزة بن القاسم الهاشمي العباس بن محمد ، حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا أبو مالك النخعي ، عن أبي إسحاق ، عن عكرمة ، ابن عباس قال : رأيت جبريل مرتين ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين . ثم قال : غريب من حديث عن ، عن أبي إسحاق السبيعي عكرمة . تفرد به عنه أبو مالك النخعي عبد الملك بن حسين .
وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اللهم علمه الحكمة . ورواه أحمد أيضا ، عن إسماعيل بن علية ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة عنه ، قال : ضمني إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اللهم علمه الكتاب . وقد رواه ، و البخاري الترمذي ، و ، و النسائي ابن ماجه ، من حديث خالد - وهو ابن مهران [ ص: 84 ] الحذاء - عن عكرمة عنه به . وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد ، ثنا ، ثنا سليمان بن بلال حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن اللهم أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل تفرد به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أحمد .
وقد روى هذا الحديث غير واحد عن عكرمة بنحو هذا . ومنهم من أرسله عن عكرمة ، والمتصل هو الصحيح ، فقد رواه غير واحد من التابعين عن ابن عباس ، وروي من طريق أمير المؤمنين المهدي ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : عبد الله بن عباس اللهم علمه الكتاب وفقهه في الدين
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل ، و عفان ، المعنى ، قالا : ثنا حماد ، ثنا عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس قال : كنت مع أبي عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يناجيه ، قال عفان : وهو كالمعرض عن العباس ، فخرجنا من عنده فقال العباس : ألم تر إلى ابن عمك كالمعرض عني ؟ فقلت : إنه كان عنده رجل [ ص: 85 ] يناجيه . قال عفان : قال : أوكان عنده أحد ؟ قلت : نعم . فرجع إليه فقال : يا رسول الله هل كان عندك أحد ; فإن عبد الله أخبرني أنه كان عندك رجل تناجيه ؟ قال : هل رأيته يا عبد الله ؟ قال : قلت : نعم . قال : ذاك جبريل عليه السلام . وقد روي من حديث المهدي عن آبائه ، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : أما إنك ستصاب في بصرك فكان كذلك ، وقد روي من وجه آخر أيضا ، والله أعلم .
ذكر صفة أخرى لرؤيته جبريل
، رواها قتيبة ، عن الدراوردي ، عن ، عن ثور بن يزيد موسى بن ميسرة العباس بعث ابنه عبد الله في حاجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد عنده رجلا ، فرجع ولم يكلمه من أجل مكان ذلك الرجل ، فلقي العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ، فقال العباس : أرسلت إليك ابني فوجد عندك رجلا فلم يستطع أن يكلمك فرجع وراءه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عم ، تدري من ذاك الرجل ؟ قال : لا . قال : ذاك جبريل [ ص: 86 ] ولن يموت ابنك حتى يذهب بصره ويؤتى علما ورواه أن ، عن سليمان بن بلال كذلك ، وله طريق أخرى . وقد ورد في فضائل ثور بن يزيد ابن عباس أحاديث كثيرة منها ما هو منكر جدا أضربنا عن كثير منها صفحا ، وذكرنا ما فيه مقنع وكفاية عما سواه .
وقال أبو : أخبرنا بكر البيهقي أبو عبد الله الحافظ ، أنبأ عبد الله بن الحسن القاضي بمرو ، ثنا الحارث بن محمد ، أخبرنا ، أخبرنا يزيد بن هارون جرير بن حازم ، عن يعلى بن حكيم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار : هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير . فقال : يا عجبا لك ! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم ؟ قال : فترك ذلك ، وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل ، فأتوسد ردائي على بابه يسفي الريح علي من التراب ، فيخرج فيراني فيقول : يابن عم رسول الله ، ما جاء بك ؟ هلا أرسلت إلي فآتيك ؟ فأقول : لا ، أنا أحق أن آتيك . قال : فأسأله عن الحديث . قال : [ ص: 87 ] فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع حولي الناس يسألوني ، فيقول : هذا الفتى كان أعقل مني . يابن عباس
وقال محمد بن عبد الله الأنصاري : ثنا محمد بن عمرو بن علقمة ، ثنا أبو سلمة ، عن ابن عباس ، قال : وجدت عامة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحي من الأنصار ، إن كنت لأقيل بباب أحدهم ، ولو شئت أن يؤذن لي عليه لأذن ، ولكن أبتغي بذلك طيب نفسه .
وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثني قدامة بن موسى ، عن أبي سلمة الحضرمي ، قال : سمعت ابن عباس يقول : كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار ، فأسألهم عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نزل من القرآن في ذلك ، وكنت لا آتي أحدا منهم إلا سر بإتياني ; لقربي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلت أسأل أبي بن كعب يوما - وكان من الراسخين في العلم - عما نزل من القرآن بالمدينة . فقال : نزل سبع وعشرون سورة وسائرها بمكة .
وقال أحمد : عن عبد الرزاق ، ، عن معمر ، قال : عامة علم ابن عباس من [ ص: 88 ] ثلاثة من عمر ، و علي ، و أبي بن كعب . وقال طاوس : عن ابن عباس أنه قال : إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال مغيرة ، عن الشعبي قال : قيل : أنى أصبت هذا العلم ؟ قال : بلسان سئول ، وقلب عقول . وثبت عن لابن عباس عمر بن الخطاب أنه كان يجلس ابن عباس مع مشايخ الصحابة ، ويقول : نعم ترجمان القرآن ، وكان إذا أقبل يقول عمر : جاء فتى الكهول ، وذو اللسان السئول والقلب العقول . وثبت في الصحيح أن عبد الله بن عباس عمر سأل الصحابة عن تفسير إذا جاء نصر الله والفتح فسكت بعض وأجاب بعض بجواب لم يرتضه عمر ، ثم سأل ابن عباس عنها فقال : أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه ، فقال : لا أعلم منها إلا ما تعلم . وأراد عمر بذلك أن يقرر عندهم جلالة قدره ، وكبير منزلته في العلم والفهم . وسأله مرة عن ليلة القدر ، فاستنبط أنها في الليلة السابعة من العشر الأخير ، فاستحسنه عمر واستجاده ، كما ذكرنا [ ص: 89 ] في التفسير .
وقد قال الحسن بن عرفة : حدثنا يحيى بن اليمان ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال عمر : لقد علمت علما ما علمناه . وقال لابن عباس الأوزاعي : قال عمر : إنك لأصبح فتياننا وجها ، وأحسنهم عقلا وأفقههم في كتاب الله عز وجل . وقال لابن عباس مجالد ، عن الشعبي ، عن ابن عباس قال : قال لي أبي : إن عمر بن الخطاب يدنيك ويجلسك مع أكابر الصحابة ، فاحفظ عني ثلاثا ; لا تفشين له سرا ، ولا تغتابن عنده أحدا ، ولا يجربن عليك كذبا . قال الشعبي : قلت : كل واحدة خير من ألف ، فقال لابن عباس ابن عباس : بل كل واحدة خير من عشرة آلاف .
وقال الواقدي : حدثنا عبد الله بن الفضل بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن ، عطاء بن يسار عمر ، و عثمان كانا يدعوان ابن عباس [ ص: 90 ] فيشير مع أهل بدر ، وكان يفتي في عهد أن عمر ، و عثمان إلى يوم مات . قلت : وشهد فتح إفريقية سنة سبع وعشرين مع ابن أبي سرح . وقال الزهري : عن علي بن الحسين ، عن أبيه قال : نظر أبي إلى ابن عباس يوم الجمل يمشي بين الصفين ، فقال : أقر الله عين من له ابن عم مثل هذا . وقد شهد مع علي الجمل وصفين ، وكان أميرا على الميسرة ، وشهد معه قتال الخوارج ، وكان ممن أشار على علي أن يستنيب معاوية على الشام وأن لا يعزله عنها في بادئ الأمر ، حتى قال له فيما قال : إن أحببت عزله فوله شهرا واعزله دهرا . فأبى علي إلا أن يقاتله ، فكان ما كان مما قد سبق بيانه . ولما تراوض الفريقان على تحكيم الحكمين ، طلب ابن عباس أن يكون من جهة علي ; ليكافئ عمرو بن العاص ، فامتنعت مذحج وأهل اليمن إلا أن يكون من جهة علي ، فكان من أمر الحكمين ما سلف أيضا . أبو موسى الأشعري
وقد استنابه علي على البصرة ، وأقام للناس الحج في بعض السنين ، فخطب بهم في عرفات خطبة ، وفسر فيها سورة البقرة ، وفي رواية : سورة النور . قال من سمعه : فسر ذلك تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا .
وهو البصرة ، فكان يصعد المنبر ليلة أول من عرف بالناس في عرفة ، ويجتمع أهل البصرة حوله فيفسر شيئا من القرآن ، ويذكر الناس من بعد العصر إلى [ ص: 91 ] الغروب ، ثم ينزل فيصلي بهم المغرب . وقد اختلف العلماء بعده في ذلك ; فمنهم من كره ذلك وقال : هو بدعة لم يعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من الصحابة إلا ابن عباس ، ومنهم من استحب ذلك لأجل ذكر الله وموافقة الحجاج .
وقد كان ابن عباس ينتقد على علي في بعض أحكامه فيرجع إليه علي في ذلك ، كما قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن عكرمة أن عليا حرق ناسا ارتدوا عن الإسلام ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لم أكن لأحرقهم بالنار ; إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تعذبوا بعذاب الله . وكنت قاتلهم ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه . فبلغ ذلك عليا فقال : ويح ابن عباس ! وفي رواية : ويح ابن عباس إنه لغواص على الهنات . وقد كافأه علي ، ابن عباس كان يرى إباحة المتعة ، وتحليل الحمر الإنسية ، فقال له فإن علي : إنك امرؤ تائه ; خيبر . وهذا الحديث مخرج في " الصحيحين " وغيرهما ، وله ألفاظ هذا من أحسنها ، والله سبحانه وتعالى أعلم . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة ، وعن لحوم الحمر الإنسية يوم
[ ص: 92 ] وقال : أنبأ البيهقي أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا بكر بن المؤمل يقول : سمعت أبا نصر بن أبي ربيعة يقول : ورد صعصعة بن صوحان على علي بن أبي طالب من البصرة ، فسأله عن ابن عباس - وكان على خلافته بها - فقال صعصعة : يا أمير المؤمنين ، إنه آخذ بثلاث ، وتارك لثلاث ; آخذ بقلوب الرجال إذا حدث ، وبحسن الاستماع إذا حدث ، وبأيسر الأمرين إذا خولف ، وترك المراء ، ومقارنة اللئيم ، وما يعتذر منه .
وقال الواقدي : ثنا أبو بكر بن أبي سبرة ، عن موسى بن سعد ، عن ، عن أبيه ، قال : ما رأيت أحدا أحضر فهما ولا ألب لبا ، ولا أكثر علما ، ولا أوسع حلما من عامر بن سعد بن أبي وقاص ابن عباس ، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات ، ثم يقول : عندك ، قد جاءتك معضلة . ثم لا يجاوز قوله ، وإن حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار . وقال الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : قال لو أدرك عبد الله بن مسعود ابن عباس أسناننا ما عشره منا أحد . وكان يقول : نعم ترجمان القرآن ابن عباس ، وعن ابن عمر أنه قال : ابن عباس أعلم [ ص: 93 ] الناس بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال محمد بن سعد : حدثنا محمد بن عمر ، حدثني يحيى بن العلاء ، عن يعقوب بن زيد ، عن أبيه قال : سمعت يقول حين بلغه موت جابر بن عبد الله ابن عباس ، وصفق بإحدى يديه على الأخرى : مات اليوم أعلم الناس وأحلم الناس ، وقد أصيبت به هذه الأمة لا ترتق . وبه إلى يحيى بن العلاء ، عن عمر بن عبد الله ، عن قال : لما مات أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ابن عباس قال رافع بن خديج : مات اليوم من كان يحتاج إليه من بين المشرق والمغرب في العلم .
قال الواقدي : وحدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن ، عن عمرو بن أبي عمرو عكرمة قال : سمعت معاوية يقول : مولاك والله أفقه من مات ومن عاش .
وروى ، عن ابن عساكر ابن عباس قال : دخلت على معاوية حين كان الصلح وأول ما التقيت أنا وهو فإذا عنده أناس ، فقال : مرحبا ، ما تحاكت الفتنة بيني وبين أحد كان أعز علي بعدا ولا أحب إلي قربا ، الحمد لله الذي أمات بابن عباس عليا ، فقلت له : إن الله لا يذم في قضائه ، وغير هذا [ ص: 94 ] الحديث أحسن منه ، ثم قلت له : إني أحب أن تعفيني من ابن عمي وأعفيك من ابن عمك . قال : ذلك لك . وقالت عائشة حين حج وأم سلمة ابن عباس بالناس : هو أعلم الناس بالمناسك . وقال ابن المبارك ، عن ، عن داود بن أبي هند الشعبي قال : ركب فأخذ زيد بن ثابت ابن عباس بركابه ، فقال : لا تفعل يابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا . فقال له زيد : أرني يديك . فأخرج يديه ، فقبلهما ، وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا .
وقال الواقدي : حدثني داود بن جبير ، سمعت ابن المسيب يقول : ابن عباس أعلم الناس . وحدثني ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : كان ابن عباس قد فات الناس بخصال ; بعلم ما سبقه ، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه ، وحلم ونسب ونائل ، وما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم منه ، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان [ ص: 95 ] منه ولا أفقه في رأي منه ، ولا أعلم بشعر ولا عربية ، ولا بتفسير القرآن ولا بحساب ، ولا بفريضة منه ، ولا أعلم بما مضى ، ولا أثبت رأيا فيما احتيج إليه منه ، ولقد كان يجلس يوما ما يذكر فيه إلا الفقه ، ويوما التأويل ، ويوما المغازي ، ويوما الشعر ، ويوما أيام العرب ، وما رأيت عالما قط جلس إليه إلا خضع له ، وما رأيت سائلا قط سأله إلا وجد عنده علما . قال : وربما حفظت القصيدة من فيه ينشدها ثلاثين بيتا . وقال ، عن أبيه : ما رأيت مثل هشام بن عروة ابن عباس قط . وقال عطاء : ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس ، أكثر فقها ، ولا أعظم هيبة ; أصحاب القرآن يسألونه ، وأصحاب العربية يسألونه ، وأصحاب الشعر عنه يسألونه ، فكلهم يصدر في واد واسع .
وقال الواقدي : حدثني بشر بن أبي سليم ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : كان ابن عباس قد بسق على الناس في العلم كما تبسق النخلة [ ص: 96 ] السحوق على الودي الصغار ، وقال ليث بن أبي سليم : قلت : لم لزمت هذا الغلام - يعني لطاوس ابن عباس - وتركت الأكابر من الصحابة ؟ فقال : إني رأيت سبعين من الصحابة إذا تدارءوا في شيء صاروا إلى قوله . وقال طاوس أيضا : ما رأيت أفقه منه . قال : وما خالفه أحد قط فتركه حتى يقرره .
وقال ، و علي بن المديني ، و يحيى بن معين أبو نعيم ، وغيرهم ، عن سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيج ، عن مجاهد ، قال : ما رأيت مثله قط ، ولقد مات يوم مات وإنه لحبر هذه الأمة . يعني ابن عباس .
وقال أبو بكر بن أبي شيبة وغيره ، عن أبي أسامة ، عن الأعمش ، عن مجاهد . قال : كان ابن عباس يسمى البحر ; لكثرة علمه .
[ ص: 97 ] وروى الواقدي ، ، عن والزبير بن بكار مجاهد أنه قال : كان ابن عباس أمدهم قامة ، وأعظمهم جفنة ، وأوسعهم علما . وقال مجاهد أيضا : ما رأيت أحدا قط أعرب لسانا من ابن عباس ; وعن ، قال : ما رأيت مجلسا قط أجمع لكل خير من مجلس عمرو بن دينار ابن عباس ; الحلال والحرام وتفسير القرآن ، والعربية والشعر ، والطعام .
وقال محمد بن سعد : ثنا ، ثنا عفان بن مسلم سليم بن أخضر ، عن سليمان التيمي ، قال : أنبأني من أرسله الحكم بن أيوب إلى الحسن يسأله : من أول من جمع بالناس في هذا المسجد يوم عرفة ؟ فقال : إن أول من جمع ابن عباس وكان رجلا مثجا - أحسب في الحديث - كثير العلم ، وكان يصعد المنبر فيقرأ سورة البقرة ويفسرها آية آية . وقد [ ص: 98 ] روي من وجه آخر عن نحوه . وقال الحسن البصري عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري : روى سفيان ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن قال : كان ابن عباس أول من عرف بالبصرة ; صعد المنبر فقرأ البقرة ، وآل عمران ففسرهما حرفا حرفا ، وكان مثجا . قال : مثجا من الثج وهو السيلان ، قال الله تعالى ابن قتيبة وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا وقيل : كثيرا بسرعة .
وقال : حدثنا يونس بن بكير أبو حمزة الثمالي ، عن أبي صالح ، قال : لقد رأيت من ابن عباس مجلسا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها فخرا ، لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق ، فما كان أحد يقدر على أن يجيء ولا يذهب . قال : فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه . فقال لي : ضع لي وضوءا . قال : فتوضأ وجلس ، وقال : اخرج فقل لهم : من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أريد منه فليدخل . قال : فخرجت [ ص: 99 ] فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم عنه وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثر . ثم قال : إخوانكم . فخرجوا . ثم قال : اخرج فقل : من كان يريد أن يسأل عن تفسير القرآن أو تأويله فليدخل . قال : فخرجت ، فآذنتهم . قال : فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثل ما سألوا أو أكثر . ثم قال : إخوانكم ، فخرجوا ، ثم قال : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل . فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله ، ثم قال إخوانكم . فخرجوا ثم قال : اخرج فقل من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل . قال : فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة . فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله ، ثم قال : إخوانكم . فخرجوا ، ثم قال : اخرج فقل من أراد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام فليدخل . قال : فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله . قال أبو صالح : فلو أن قريشا كلها فخرت بذلك لكان فخرا ، [ ص: 100 ] فما رأيت مثل هذا لأحد من الناس .
وقال طاوس ، و : ما رأينا أورع من ميمون بن مهران ابن عمر ، ولا أفقه من ابن عباس . قال ميمون : وكان ابن عباس أفقههما . وقال شريك القاضي ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : كنت إذا رأيت ابن عباس قلت : أجمل الناس . فإذا نطق قلت : أفصح الناس . فإذا تحدث قلت : أعلم الناس .
وقال يعقوب بن سفيان : ثنا أبو النعمان ، ثنا حماد بن زيد ، عن الزبير بن الخريت ، عن عكرمة قال : كان ابن عباس أعلمهما بالقرآن ، وكان علي أعلمهما بالمبهمات . وقال إسحاق بن راهويه : إنما كان كذلك ; لأن ابن عباس كان قد أخذ ما عند علي من التفسير ، وضم إلى ذلك ما أخذه عن أبي بكر ، و عمر ، و عثمان ، و أبي بن كعب ، وغيرهم من كبار الصحابة ، مع [ ص: 101 ] دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يعلمه الله الكتاب .
وقال أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : خطب ابن عباس وهو على الموسم فافتتح سورة البقرة فجعل يقرؤها ويفسر ، فجعلت أقول : ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله ، لو سمعته فارس والروم لأسلمت . وقد روى أبو بكر بن عياش ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، أن ابن عباس حج بالناس عام قتل عثمان ، فقرأ سورة النور ففسرها . وذكر نحو ما تقدم ، فلعل الأول كان في زمان علي ، فقرأ في تلك الحجة سورة البقرة ، وفي فتنة عثمان سورة النور . والله أعلم .
وقد روينا عن ابن عباس أنه قال : أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله ، وقال مجاهد : عرضت القرآن على ابن عباس مرتين ، من أوله إلى آخره ، أقف عند كل آية فأسأله عنها . وروي عنه أنه قال : [ ص: 102 ] أربع من القرآن لا أدري ما هي ; الأواه ، والحنان ، والرقيم ، والغسلين ، وكل القرآن أعلمه إلا هذه الأربع . وقال ابن وهب وغيره ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : كان ابن عباس إذا سئل عن مسألة ; فإن كانت في كتاب الله قال بها ، وإن لم تكن وهي في السنة قال بها ، فإن لم يقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدها عن أبي بكر ، و عمر قال بها ، وإلا اجتهد رأيه .
وقال يعقوب بن سفيان : ثنا أبو عاصم ، و عبد الرحمن بن حماد الشعبي ، عن كهمس بن الحسن ، عن عبد الله بن بريدة ، قال : شتم رجل ابن عباس فقال : إنك لتشتمني وفي ثلاث خصال ، إني لآتي على الآية من كتاب الله فلوددت أن الناس علموا منها مثل الذي أعلم ، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل ، فأفرح به ، ولعلي لا أقاضي إليه ، ولا أحاكم أبدا ، وإني لأسمع بالغيث يصيب الأرض من أرض المسلمين فأفرح به ، [ ص: 103 ] وما لي بها من سائمة أبدا . ورواه ، عن البيهقي ، عن الحاكم الأصم ، عن الحسن بن مكرم ، عن ، عن يزيد بن هارون كهمس به . وقال الواقدي : سأل رجل ابن عباس عن قوله تعالى أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما فقال : كانت السماء رتقا لا تمطر ، والأرض رتقا لا تنبت ، ففتق هذه بالمطر ، وهذه بالنبات . وقال : صحبت ابن أبي مليكة ابن عباس من المدينة إلى مكة ، وكان يصلي ركعتين ، فإذا نزل قام شطر الليل ، ويرتل القرآن يقرأ حرفا حرفا ، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب ، ويقرأ وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد
وقال الأصمعي ، عن المعتمر بن سليمان ، عن شعيب بن درهم ، قال : كان في هذا المكان - وأومأ إلى مجرى الدموع من خديه - من خدي ابن عباس - مثل الشراك البالي من البكاء . وقال غيره : كان يصوم يوم الاثنين والخميس ، ويقول : أحب أن يرفع عملي وأنا صائم . وروى هشيم [ ص: 104 ] وغيره عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس أن ملك الروم كتب إلى معاوية يسأله عن أحب الكلام إلى الله ، عز وجل ، ومن أكرم العباد على الله ، عز وجل ، ومن أكرم الإماء على الله ، عز وجل ، وعن أربعة فيهم الروح لم يركضوا في رحم ، وعن قبر سار بصاحبه ، وعن مكان في الأرض لم تطلع عليه الشمس إلا مرة واحدة ، وعن قوس قزح ما هو ؟ وعن المجرة . فبعث معاوية فسأل ابن عباس عنهن ، فكتب ابن عباس إليه : أما أحب الكلام إلى الله فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وأكرم العباد على الله آدم ، خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه أسماء كل شيء ، وأكرم الإماء على الله مريم بنت عمران ، وأما الأربعة الذين لم يركضوا في رحم ، فآدم وحواء ، وعصا موسى ، وكبش إبراهيم الذي فدى به إسماعيل - وفي رواية : وناقة صالح - وأما القبر الذي سار بصاحبه فهو حوت يونس ، وأما المكان الذي لم تصبه الشمس إلا مرة واحدة فهو البحر الذي انفلق لموسى حتى جاز بنو إسرائيل فيه ، وأما قوس قزح فأمان لأهل الأرض من الغرق ، والمجرة باب السماء ، وفي رواية : الذي تنشق منه ، فلما قرأ ملك الروم ذلك أعجبه ، وقال : والله ما هي من عند معاوية ، ولا من قوله ، وإنما هي من عند أهل النبي صلى الله عليه وسلم . وقد ورد في هذه [ ص: 105 ] الأسئلة روايات كثيرة ، وزيادات كثيرة فيها ، وفي بعضها نظر ; أنه سأله عن من لا قبل له ، وعن من لا عشيرة له ، وعن من لا أب له ، وعن شيء ، ونصف شيء ، ولا شيء ، وأرسل قارورة ; فقال : ابعث إلي في هذه ببزر كل شيء . فكتب إليه يقول : أما الذي لا قبل له فالله عز وجل ، وأما من لا عشيرة له فآدم عليه السلام ، وأما من لا أب له فعيسى عليه السلام ، وأما عن شيء فهو العاقل يعمل بعقله ، وأما نصف شيء ، فالذي له عقل ويعمل برأي غيره ، وأما لا شيء فالذي لا عقل له ولا يعمل بعقل غيره . وملأ القارورة ماء وقال : هذا بزر كل شيء . فأعجب ذلك ملك الروم جدا . والله أعلم .