[ ص: 666 ]
عبد الله بن الزبير رضي الله عنه إمارة
وعند وطائفة أنه أمير المؤمنين آنذاك ابن حزم
قد قدمنا أنه لما مات يزيد أقلع الجيش عن مكة ، وهم الذين كانوا يحاصرون ابن الزبير وهو عائذ بالبيت ، مع أميرهم حصين بن نمير السكوني ورجعوا عن مكة إلى الشام واستفحل أمر عبد الله بن الزبير بالحجاز وما والاها ، وبايعه الناس بعد يزيد بيعة عامة هناك ، واستناب على المدينة أخاه عبيدة بن الزبير ، وأمره بإجلاء بني أمية عن المدينة ، فأجلاهم فرحلوا إلى الشام ، وفيهم مروان وابنه عبد الملك ، ثم بعث أهل البصرة إلى ابن الزبير بعد حروب جرت بينهم وفتن كثيرة يطول استقصاؤها ، غير أنهم في أقل من ستة أشهر أقاموا عليهم نحوا من أربعة أمراء من بينهم ، ثم اضطربت أمورهم ، ثم بعثوا إلى ابن الزبير ، وهو بمكة يجلبونه إلى أنفسهم ، فكتب إلى أنس بن مالك ليصلي بهم .
[ ص: 667 ] وبعث ابن الزبير إلى أهل الكوفة على الصلاة ، عبد الله بن يزيد الأنصاري على الخراج ، واستوثق له المصران جميعا ، وأرسل إلى أهل وإبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله مصر فبايعوه . واستناب عليها عبد الرحمن بن جحدم ، وأطاعت له الجزيرة . وبعث على البصرة ، وبعث إلى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة اليمن فبايعوه ، وإلى خراسان فبايعوه ، وإلى الضحاك بن قيس بالشام فبايع ، وقيل : إن أهل دمشق وأعمالها من بلاد الأردن لم يبايعوه ; لأنهم بايعوا لما رجع مروان بن الحكم الحصين بن نمير من مكة إلى الشام ، وكان قد التف على عبد الله بن الزبير جماعة من الخوارج يدافعون عنه ; منهم نافع بن الأزرق وعبد الله بن إباض ، وجماعة من رءوسهم ، فلما استقر أمره في الخلافة قالوا فيما بينهم : إنكم قد أخطأتم ; لأنكم قاتلتم مع هذا الرجل ، ولم تعلموا رأيه في عثمان بن عفان . وكانوا ينتقصون عثمان ، فاجتمعوا إليه فسألوه عن عثمان ، فأجابهم فيه بما يسوءهم ، وذكر لهم ما كان متصفا به من الإيمان والتصديق ، والعدل والإحسان والسيرة الحسنة ، والرجوع إلى الحق إذا تبين له ، فعند ذلك نفروا عنه ، وفارقوه ، وقصدوا بلاد العراق وخراسان ، فتفرقوا فيها بأبدانهم وأديانهم ومذاهبهم [ ص: 668 ] ومسالكهم المختلفة المنتشرة ، التي لا تنضبط ولا تنحصر ; لأنها مفرعة على الجهل وقوة النفوس ، والاعتقاد الفاسد ، ومع هذا استحوذوا على كثير من البلدان والكور ، حتى انتزعت منهم بعد ذلك ، على ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله .