وقد غسله ابناه الحسن والحسين ، وصلى عليه وعبد الله بن جعفر الحسن ، فكبر عليه تسع تكبيرات .
قال الهيثم بن عدي حدثني رجل من بجيلة ، عن مشيخة قومه ، أن عبد الرحمن بن ملجم رأى امرأة من تيم الرباب يقول لها : قطام . كانت من أجمل النساء ، ترى رأي الخوارج ، قد قتل علي قومها على هذا [ ص: 18 ] الرأي ، فلما أبصرها عشقها فخطبها ، فقالت : لا أتزوجك إلا على ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي بن أبي طالب فتزوجها على ذلك ، فلما بنى بها قالت له : يا هذا ، قد فرغت من حاجتك ، فافرغ من حاجتي . فخرج ملبسا سلاحه ، وخرجت فضربت له قبة في المسجد ، وخرج علي يقول : الصلاة الصلاة . فأتبعه عبد الرحمن ، فضربه بالسيف على قرن رأسه ، فقال الشاعر - قال ابن جرير : هو ابن مياس المرادي - :
ولم أر مهرا ساقه ذو سماحة كمهر قطام بينا غير معجم ثلاثة آلاف وعبد وقينة
وقتل علي بالحسام المصمم فلا مهر أغلى من علي وإن غلا
ولا قتل إلا دون قتل ابن ملجم
ونحن ضربنا يا لك الخير حيدرا أبا حسن مأمومة فتفطرا
ونحن خلعنا ملكه من نظامه بضربة سيف إذ علا وتجبرا
[ ص: 19 ] ونحن كرام في الهياج أعزة إذا الموت بالموت ارتدى وتأزرا
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا
[ ص: 20 ] وأما صاحب عمرو بن العاص - وهو عمرو بن بكر - فإنه كمن له ليخرج إلى الصلاة ، فاتفق أن عرض مغص شديد في تلك الليلة ، فلم يخرج إلا نائبه إلى الصلاة ، وهو لعمرو بن العاص خارجة بن أبي حبيبة ، من بني عامر بن لؤي ، وكان على شرطة عمرو بن العاص ، فحمل عليه الخارجي فقتله ، وهو يعتقده عمرو بن العاص فلما أخذ الخارجي قال : أردت عمرا وأراد الله خارجة . فأرسلها مثلا ، ثم قتل ، قبحه الله ، وقد قيل : إن الذي قالها عمرو بن العاص . وذلك حين جيء بالخارجي فقال : ما هذا ؟ قالوا : قتل نائبك خارجة . فقال الخارجي : والله ما أردت إلا إياك . فقال عمرو : أردتني وأراد الله خارجة . ثم أمر به فضربت عنقه .
والمقصود أن عليا ، رضي الله عنه ، لما مات صلى عليه ابنه الحسن ، فكبر عليه تسع تكبيرات ، بالكوفة ; خوفا عليه من ودفن بدار الإمارة الخوارج أن ينبشوا عن جثته ، هذا هو المشهور ، ومن قال : إنه حمل على راحلته ، فذهبت به فلا يدرى أين ذهبت . فقد أخطأ وتكلف ما لا علم له به ، ولا يسيغه عقل ولا شرع ، الروافض من أن قبره بمشهد النجف ، فلا دليل على ذلك ولا أصل له ، ويقال : إنما ذاك قبر وما يعتقده كثير من جهلة المغيرة بن شعبة حكاه عن الخطيب البغدادي ، عن أبي نعيم الحافظ أبي بكر الطلحي ، عن [ ص: 21 ] محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ ، هو مطين ، أنه قال : لو علمت الشيعة قبر هذا الذي يعظمونه بالنجف لرجموه بالحجارة ، هذا قبر المغيرة بن شعبة .
قال الواقدي : حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر : كم كان سن علي يوم قتل ؟ قال : ثلاثا وستين سنة . قلت : أين دفن ؟ قال : دفن بالكوفة ليلا ، وقد غبي عني دفنه . وفي رواية عن جعفر الصادق أنه كان عمره يوم قتل ثمانية وخمسين سنة . وقد قيل : إن عليا دفن قبلي المسجد الجامع من الكوفة . قاله الواقدي . والمشهور أنه دفن بدار الإمارة . وقيل : بحائط جامع الكوفة . وقد حكى عن الخطيب البغدادي أن أبي نعيم الفضل بن دكين الحسن والحسين حولاه فنقلاه إلى المدينة فدفناه بالبقيع عند قبر زوجته فاطمة أمهما . وقيل : إنهم لما حملوه على البعير ضل منهم ، فأخذته طيئ يظنونه مالا ، فلما رأوا أن الذي في الصندوق ميت ، ولم يعرفوا من هو دفنوا الصندوق بما فيه ، فلا يعلم أحد أين قبره . حكاه الخطيب أيضا . [ ص: 22 ] وروى ، عن الحافظ ابن عساكر الحسن بن علي قال : دفنت عليا في حجرة من دور آل جعدة .
وعن قال : لما حفر عبد الملك بن عمير خالد بن عبد الله أساس دار ابنه يزيد استخرجوا شيخا مدفونا أبيض الرأس واللحية ، كأنما دفن بالأمس ، فهم بإحراقه ، ثم صرفه الله عن ذلك إلى غيره ، فاستدعى بقباطي فلفه فيها ، وطيبه وتركه مكانه . قالوا : وذلك المكان بحذاء باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد في بيت إسكاف ، وما يكاد يقر في ذلك الموضع أحد إلا انتقل منه
. وعن قال : صلي على جعفر بن محمد الصادق علي ليلا ، ودفن بالكوفة ، وعمي موضع قبره ، ولكنه عند قصر الإمارة .
وقال ابن الكلبي : شهد دفنه في الليل الحسن والحسين وابن الحنفية وغيرهم من أهل بيتهم ، فدفنوه في ظاهر وعبد الله بن جعفر الكوفة وعموا قبره ; خيفة عليه من الخوارج وغيرهم .
وحاصل الأمر أن عليا قتل ليلة الجمعة سحرا ، وذلك لسبع عشرة خلت من رمضان من سنة أربعين . وقيل : إنه قتل في ربيع الأول . والأول هو الأصح [ ص: 23 ] الأشهر . والله أعلم . ودفن بالكوفة ، عن ثلاث وستين سنة ، وصححه الواقدي و ابن جرير وغير واحد ، وقيل : عن خمس وستين . وقيل : عن ثمان وخمسين سنة . رضي الله عنه . وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر .
فلما مات علي ، رضي الله عنه ، استدعى الحسن بن علي بابن ملجم ، فقال : له ابن ملجم : إني أعرض عليك خصلة . قال : وما هي ؟ قال : إني كنت عاهدت الله عند الحطيم أن أقتل عليا ومعاوية أو أموت دونهما ، فإن خليتني ذهبت إلى معاوية ، على أني إن لم أقتله أو قتلته وبقيت ، فلك علي عهد الله أن أرجع إليك حتى أضع يدي في يدك . فقال له الحسن : كلا والله حتى تعاين النار . ثم قدمه فقتله ، ثم أخذه الناس فأدرجوه في بواري ، ثم أحرقوه بالنار . وقد قيل : إن عبد الله بن جعفر قطع يديه ورجليه وكحلت عيناه ، وهو مع ذلك يقرأ سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى آخرها ، ثم جاءوا ليقطعوا لسانه فجزع ، وقال : إني أخشى أن تمر علي ساعة لا أذكر الله فيها . ثم قطعوا لسانه ، ثم قتلوه ثم حرقوه في قوصرة . والله أعلم .
وروى ابن جرير قال : حدثني الحارث ، ثنا ابن سعد ، عن محمد بن [ ص: 24 ] عمر قال : ضرب علي يوم الجمعة ، فمكث يوم الجمعة وليلة السبت ، وتوفي ليلة الأحد ، لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين ، عن ثلاث وستين سنة . قال الواقدي : وهو الثبت عندنا . والله أعلم بالصواب .