جرجير والبربر مع المسلمين وقعة
لما قصد المسلمون - وهم عشرون ألفا - إفريقية وعليهم وفي جيشه عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، صمد إليهم ملك وعبد الله بن الزبير ، البربر جرجير في عشرين ومائة ألف . وقيل : في مائتي ألف . فلما تراءى الجمعان أمر جيشه فأحاطوا بالمسلمين هالة ، فوقف المسلمون في موقف لم ير أشنع منه ولا أخوف عليهم [ ص: 227 ] منه . قال عبد الله بن الزبير : فنظرت إلى الملك جرجير من وراء الصفوف وهو راكب على برذون وجاريتان تظلانه بريش الطواويس ، فذهبت إلى فسألته أن يبعث معي من يحمي ظهري وأقصد الملك ، فجهز معي جماعة من الشجعان . قال : فأمر بهم فحموا ظهري ، وذهبت حتى اخترقت الصفوف إليه - وهم يظنون أني في رسالة إلى الملك - فلما اقتربت منه أحس مني الشر ففر على برذونه ، فلحقته فطعنته برمحي ، وذففت عليه بسيفي ، وأخذت رأسه فنصبته على رأس الرمح ، وكبرت فلما رأى ذلك عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، البربر فرقوا وفروا كفرار القطا ، وأتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ، فغنموا غنائم جمة ، وأموالا كثيرة ، وسبيا عظيما ، وذلك ببلد يقال له : سبيطلة . على يومين من القيروان . فكان هذا أول موقف اشتهر فيه أمر عبد الله بن الزبير ، رضي الله عنه وعن أبيه وأصحابهما أجمعين .
قال الواقدي : وفي هذه السنة افتتحت إصطخر ثانية على يدي عثمان بن أبي العاص ، وفيها غزا معاوية قنسرين . وفيها حج بالناس عثمان بن عفان .
قال ابن جرير : قال بعضهم : وفي هذه السنة غزا معاوية قبرس . وقال الواقدي : كان ذلك في سنة ثمان وعشرين . وقال أبو معشر : غزاها معاوية سنة ثلاث وثلاثين . فالله أعلم .