[ ص: 319 ] ذكر كمية حياته وكيفية وفاته عليه السلام
قد تقدم في ذكر الأحاديث الواردة في خلق آدم ، أن الله لما استخرج ذريته من ظهره ، فرأى فيهم الأنبياء ، عليهم السلام ، ورأى فيهم رجلا يزهر ، فقال : أي رب ، من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود ، قال : أي رب ، كم عمره ؟ قال : ستون عاما . قال : أي رب ، زد في عمره . قال : لا ، إلا أن أزيده من عمرك . وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاما ، فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت ، فقال : بقي من عمري أربعون سنة . ونسي آدم ما كان وهبه لولده داود ، فأتمها الله لآدم ألف سنة ، ولداود مائة سنة رواه أحمد عن ابن عباس ، ، وصححه عن والترمذي ، أبي هريرة وابن خزيمة ، ، وقال وابن حبان : على شرط الحاكم مسلم . وقد تقدم ذكر طرقه وألفاظه في قصة آدم . قال ابن جرير : وقد زعم بعض أهل الكتاب أن عمر داود كان سبعا وسبعين سنة . قلت : هذا غلط مردود عليهم . قالوا : وكان مدة ملكه أربعين سنة . وهذا قد يقبل نقله ; لأنه ليس عندنا ما ينافيه ولا ما يقتضيه .
[ ص: 320 ] وأما وفاته ، عليه السلام ، فقال في " مسنده " : حدثنا الإمام أحمد قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد ، عن ، عن عمرو بن أبي عمرو المطلب ، عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة كان داود النبي فيه غيرة شديدة ، وكان إذا خرج أغلقت الأبواب ، فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع ، قال : فخرج ذات يوم وغلقت الدار ، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار ، فإذا رجل قائم وسط الدار ، فقالت لمن في البيت : من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة ؟ والله لتفتضحن بداود . فجاء داود ، فإذا الرجل قائم وسط الدار ، فقال له داود : من أنت ؟ قال : أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يمتنع مني شيء ، فقال داود : أنت والله ملك الموت ، فمرحبا بأمر الله . فرمل داود مكانه حيث قبضت روحه ، حتى فرغ من شأنه ، وطلعت عليه الشمس ، فقال سليمان للطير : أظلي على داود . فأظلته الطير حتى أظلمت عليهما الأرض ، فقال لها سليمان : اقبضي جناحا جناحا قال : أبو هريرة انفرد بإخراجه يرينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف فعلت الطير . وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، وغلبت عليه يومئذ المضرحية ، وإسناده جيد [ ص: 321 ] قوي ; رجاله ثقات . ومعنى قوله : وغلبت عليه يومئذ المضرحية ; أي : وغلبت على التظليل عليه المضرحية ، وهي الصقور الطوال الأجنحة ، واحدها مضرحي ، قال الإمام أحمد الجوهري : وهو الصقر الطويل الجناح . وقال عن السدي أبي مالك عن ابن عباس قال : مات داود ، عليه السلام ، فجأة ، وكان يسبت ، وكانت الطير تظله . وقال أيضا عن السدي أبي مالك ، وعن سعيد بن جبير ، قال : مات داود ، عليه السلام ، يوم السبت فجأة . وقال ، عن إسحاق بن بشر ، عن سعيد بن أبي عروبة قتادة ، عن الحسن ، قال : مات داود عليه السلام ، وهو ابن مائة سنة ، ومات يوم الأربعاء فجأة . وقال أبو السكن الهجري : مات إبراهيم الخليل ، فجأة وداود فجأة ، وابنه سليمان فجأة ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . رواه . وروى عن بعضهم : أن ملك الموت جاءه وهو نازل من محرابه ، فقال له : دعني أنزل أو أصعد . فقال : يا نبي الله قد نفذت السنون والشهور والآثار والأرزاق . قال : فخر ساجدا على مرقاة من تلك المراقي ، فقبضه وهو ساجد . وقال ابن عساكر : أنبأنا إسحاق بن بشر وافر بن سليمان ، عن أبي سليمان الفلسطيني ، عن ، قال : إن الناس حضروا جنازة وهب بن منبه داود ، عليه السلام ، فجلسوا في الشمس في يوم صائف . قال : وكان قد شيع جنازته يومئذ أربعون ألف راهب ، عليهم البرانس ، سوى غيرهم من الناس ، ولم يمت في بني إسرائيل - بعد موسى وهارون - أحد كانت بنو إسرائيل أشد جزعا عليه منهم على داود . قال : [ ص: 322 ] فآذاهم الحر ، فنادوا سليمان ، عليه السلام ، أن يعجل عليهم لما أصابهم من الحر ، فخرج سليمان فنادى الطير فأجابت ، فأمرها فأظلت الناس . قال : فتراص بعضهم إلى بعض من كل وجه حتى استمسكت الريح ، فكاد الناس أن يهلكوا غما ، فصاحوا إلى سليمان ، عليه السلام ، من الغم ، فخرج سليمان فنادى الطير أن أظلي الناس من ناحية الشمس ، وتنحي عن ناحية الريح . ففعلت ، فكان الناس في ظل وتهب عليهم الريح ، فكان ذلك أول ما رأوه من ملك سليمان .
وقال : حدثنا الحافظ أبو يعلى أبو همام الوليد بن شجاع ، حدثني ، عن الوليد بن مسلم الهيثم بن حميد ، عن الوضين بن عطاء ، عن نصر بن علقمة ، عن ، عن جبير بن نفير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي الدرداء داود من بين أصحابه ما فتنوا ولا بدلوا ولقد مكث أصحاب المسيح على سنته وهديه مائتي سنة هذا حديث غريب ، وفي رفعه نظر ، والوضين بن لقد قبض الله عطاء كان ضعيفا في الحديث . والله أعلم .