كائنة وقعت بقرية حوران فأوقع الله بهم بأسا شديدا في هذا الشهر الشريف
وذلك أنهم أشهر أهل قرية بحوران ، وهي خاص لنائب الشام وهم حلبية يمن ، ويقال لهم : بنو لبسه ، وبني ناشي ، وهي حصينة منيعة ، يضوي إليها كل مفسد ، وقاطع ، ومارق ، ولجأ إليهم أحد شياطين روس العشير ، وهو عمر المعروف بالدنيط ، فأعدوا عددا كثيرة ، ونهبوا ليغنموا العشير ، وفي هذا الحين بدرهم والي الولاة المعروف بشنكل منكل ، فجاء إليهم ليردهم ، ويهديهم ، وطلب منهم عمر الدنيط فأبوا عليه ، وراموا مقاتلته ، وهم جمع كثير ، وجم غفير ، فتأخر عنهم ، وكتب إلى نائب السلطنة ليمده بجيش عونا له عليهم وعلى أمثالهم ، فجهز له جماعة من أمراء الطبلخاناه ، والعشراوات ومائة من جند الحلقة الرماة ، فلما بغتهم في بلدهم تجمعوا لقتال العسكر ، ورموه بالحجارة والمقاليع ، وحجزوا [ ص: 597 ] بينهم وبين البلد ، فعند ذلك رمتهم الأتراك بالنبال من كل جانب ، فقتلوا منهم فوق المائة ، ففروا راجعين على أعقابهم ، وأسر منهم والي الولاة نحوا من ستين رجلا ، وأمر بقطع رءوس القتلى وتعليقها في أعناق هؤلاء الأسرى ، ونهبت بيوت الفلاحين كلها ، وسلمت إلى مماليك نائب السلطنة; لم يفقد منها ما يساوي ثلاثمائة درهم ، وكر راجعا إلى بصرى ، وشيوخ العشيرات معه ، فأخبرني الأمير صلاح الدين بن خاص ترك - وكان من جملة أمراء الطبلخاناه الذين قاتلوهم - بمبسوط ما يخصه ، وأنه كان إذا أعيا بعض أولئك الأسرى من الجرحى أمر المشاعلي بذبحه وتعليق رأسه على بقية الأسرى ، وفعل هذا بهم غير مرة حتى إنه قطع رأس شاب منهم ، وعلق رأسه على أبيه; شيخ كبير ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، حتى قدم بهم بصرى فشكل طائفة من أولئك المأسورين ، وشكل آخرين ووسط الآخرين ، وحبس بعضهم في القلعة ، وعلق الرءوس على أخشاب نصبها حول قلعة بصرى ، فحصل بذلك تنكيل شديد لم يقع مثله في هذا الأوان بأهل حوران ، وهذا كله سلط عليهم بما كسبت أيديهم ، وما ربك بظلام للعبيد وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون [ الأنعام : 129 ] . فإنا لله وإنا إليه راجعون .