القاهر خلافة
لما قتل المقتدر بالله كما ذكرنا عزم مؤنس الخادم على تولية أبي العباس بن [ ص: 63 ] المقتدر بعد أبيه ; ليطيب قلب أم المقتدر ، فعدل عن ذلك جمهور من حضر من الأمراء ، فقال له أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختي : بعد التعب والكد نبايع لخليفة له أم وخالات يطيعهن ويشاورهن ؟! ثم أحضر محمد بن المعتضد - وهو أخو المقتدر - فبايعه القضاة والأمراء والوزراء ، ولقبوه القاهر بالله ، وذلك في سحر يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال من هذه السنة ، سنة عشرين وثلاثمائة ، واستوزر له أبو علي بن مقلة ، ثم أبو جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله ثم أبو العباس بن الخصيب وشرع القاهر في مصادرة أصحاب المقتدر وتتبع أولاده ، واستدعى بأم المقتدر وهي مريضة بالاستسقاء ، وقد تزايد بها الوجع من شدة جزعها على ولدها حين بلغها قتله ، وكيف بقي مكشوف العورة ، فبقيت أياما لا تأكل شيئا ، ثم وعظها النساء حتى أكلت شيئا يسيرا من الخبز والملح ، ومع هذا كله استدعى بها القاهر ، فقررها على أموالها ، فذكرت له ما يكون للنساء من الحلي والمصاغ والثياب ، ولم تقر بشيء من الأموال والجواهر ، وقالت له : لو كان عندي من هذا شيء ما سلمت ولدي . فأمر بضربها وعلقت برجليها ومسها بعذاب شديد من العقوبة ، وأشهدت على نفسها ببيع أملاكها ، فأخذه الجند مما يحاسبون به من أرزاقهم ، وأرادها على بيع أوقافها ، فامتنعت من ذلك ، وأبت أشد الإباء ، واستدعى القاهر بجماعة من أولاد المقتدر ، منهم أبو العباس الراضي ، وهارون ، والعباس ، وعلي ، والفضل ، وإبراهيم ، فأمر بمصادرتهم وحبسهم وسلمهم إلى حاجبه علي بن يلبق ، وتمكن الوزير أبو علي بن مقلة ، فعزل وولى ، وأخذ وأعطى أياما ، ومنع [ ص: 64 ] بني البريدي من أعمالهم .