محمد بن داود بن علي .
أبو بكر الفقيه ابن الفقيه الظاهري ابن [ ص: 758 ] الظاهري كان عالما بارعا أديبا شاعرا فقيها ماهرا ، وهو مصنف كتاب " الزهرة " اشتغل على أبيه وتبعه في مذهبه وما كان يسلكه يختاره من الطريق ويرتضيه ، وكان أبوه يحبه ويقربه ويدنيه .
قال : كنا يوما عند رويم بن محمد داود إذ دخل ابنه محمد باكيا ، فقال : ما لك ؟ فقال : إن الصبيان يلقبونني عصفور الشوك ، فضحك أبوه فاشتد غضب ولده ، وقال : أنت أضر علي منهم ، فضمه أبوه إليه ، وقال : لا إله إلا الله ما الألقاب إلا من السماء ما أنت يا بني إلا عصفور الشوك .
ولما توفي أبوه أجلس ابنه محمد هذا في مكانه في الحلقة فاستصغره الناس عن ذلك ، فسأله سائل يوما عن حد السكر فقال : إذا عزبت عنه الهموم وباح بسره المكتوم . فاستحسن ذلك منه ، وعظم في أعين الناس .
قال في " المنتظم " : وقد ابتلي بحب صبي اسمه ابن الجوزي محمد بن جامع ويقال محمد بن زخرف ، فاستعمل العفاف والدين في حبه ، ولم يزل ذلك دأبه فيه حتى كان سبب وفاته في ذلك .
قلت : فدخل في الحديث المروي عن ابن عباس موقوفا عليه ومرفوعا عنه : [ ص: 759 ] " مات شهيدا من عشق فكتم فعف فمات " وقد قيل عنه إنه كان يبيح العشق بشرط العفاف .
وحكى هو عن نفسه أنه لم يزل يتعشق منذ كان في الكتاب وأنه صنف كتاب " الزهرة " في ذلك من صغره ، وربما وقف أبوه داود على بعض ذلك ، وكان يتناظر هو كثيرا بحضرة وأبو العباس بن سريج القاضي أبي عمر محمد بن يوسف فيعجب الناس من مناظرتهما وحسنها . وقد قال له ابن سريج يوما في مناظرته : أنت بكتاب " الزهرة " أشهر منك بهذا . فقال له : تعيرني بكتاب " الزهرة " وأنت لا تحسن تستتم قراءته وهو كتاب جمعناه هزلا فاجمع أنت مثله جدا .
وقال القاضي أبو عمر محمد بن يوسف : كنت يوما أنا وأبو بكر بن داود راكبين : فإذا جارية تغني بشيء من شعره :
أشكو عليل فؤاد أنت متلفه شكوى عليل إلى إلف يعلله سقمي تزيد على الأيام كثرته
وأنت في عظم ما ألقى تقلله الله حرم قتلي في الهوى أسفا
وأنت يا قاتلي ظلما تحلله
كانت وفاة محمد بن داود رحمه الله تعالى في رمضان من هذه السنة وجلس ابن سريج لعزاه وقال : ما آسى إلا على التراب الذي أكل لسان محمد بن داود رحمه الله .
محمد بن عثمان بن أبي شيبة
أبو جعفر حدث عن يحيى بن معين وخلق وعنه وعلي بن المديني ابن صاعد والخلدي والباغندي وغيرهم وله كتاب في التاريخ وغيره من المصنفات وقد وثقه صالح بن محمد جزرة وغيره وكذبه عبد الله ابن الإمام أحمد فقال : هو كذاب بين الأمر . وتعجب ممن يروي عنه ، وكانت وفاته في ربيع الأول من هذه السنة .
محمد بن طاهر بن عبد الله بن الحسين بن مصعب من بيت الإمارة والحشمة ، باشر نيابة العراق مدة ثم خراسان ثم ظفر به يعقوب بن الليث في سنة ثمان وخمسين فأسره ، وبقي معه يطوف به في الآفاق أربع سنين ثم نجا في بعض الوقعات بنفسه ، ولم يزل مقيما ببغداد إلى أن توفي في هذه السنة .
[ ص: 761 ] مولده سنة عشر ومائتين سمع أباه موسى بن إسحاق بن موسى بن عبد الله أبو بكر الأنصارى الخطمى وأحمد بن حنبل وغيرهم وحدث عنه الناس وهو شاب ، وقرءوا عليه القرآن وكان ينتحل مذهب وعلي بن الجعد وولي قضاء الشافعي الري والأهواز ، وكان ثقة فاضلا نبيلا عفيفا فصيحا كثير الحديث ، توفي في المحرم من هذه السنة .
يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد والد القاضي أبي عمر ، محمد بن يوسف ، قاتل الحلاج وكان يوسف بن يعقوب هذا من أكابر القضاة وأعيان العلماء ، ولد سنة ثمان ومائتين وسمع سليمان بن حرب وعمرو بن مرزوق وهدبة وغيرهم . وكان ثقة ، وقد ولي قضاء ومسددا ، البصرة وواسط والجانب الشرقي من بغداد وكان ثقة نزها عفيفا شديد الحرمة جاءه يوما بعض خدم الخليفة المعتضد فرفع في المجلس ، فأمره حاجب القاضي أن يساوي خصمه ، فامتنع إدلالا بجاهه عنده فنهره القاضي وقال : ائتوني بدلال النخس حتى أبيع هذا العبد وأبعث بثمنه إلى الخليفة ، وجاء حاجب القاضي ، فأخذه بيده وأجلسه مع خصمه ، فلما انقضت الحكومة [ ص: 762 ] رجع الخادم إلى المعتضد فبكى بين يديه وأخبره بما قال القاضي فقال : والله لو باعك لأجزت بيعه ولما استرجعتك أبدا ، فليس خصوصيتك عندي تزيل مرتبة الحكم ، فإنه عمود السلطان وقوام الأديان . كانت وفاته في رمضان من هذه السنة .