[ ص: 493 ] ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين ومائتين
في رجب منها عقد المعتز لموسى بن بغا الكبير على جيش قريب من أربعة آلاف ; ليذهبوا إلى عبد العزيز بن أبي دلف بناحية همذان ; وذلك لأنه خرج عن الطاعة ، وهو في نحو من عشرين ألفا ، فهزموا قتال عبد العزيز في أواخر هذا الشهر هزيمة فظيعة . ثم كانت بينهما وقعة أخرى في رمضان عند الكرج فهزم عبد العزيز أيضا ، وقتل من أصحابه بشر كثير ، وأسروا ذراري كثيرة حتى أسروا أم عبد العزيز ، وبعثوا إلى الخليفة سبعين حملا من الرءوس وأعلاما كثيرة ، وأخذ من عبد العزيز ما كان استحوذ عليه من بلاد الخليفة .
وفي رمضان منها خلع المعتز على بغا الشرابي وألبسه التاج والوشاحين .
وفي يوم عيد الفطر كانت وقعة هائلة عند البوازيج ; وذلك أن رجلا يقال له : مساور بن عبد الحميد حكم فيها والتف عليه نحو من سبعمائة من [ ص: 494 ] الخوارج ، فقصد له رجل يقال له : بندار الطبري . في نحو ثلاثمائة من أصحابه ، فالتقوا في هذا اليوم فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل من الخوارج نحو من خمسين ، وقتل من أصحاب بندار مائتان ، وقيل : وخمسون رجلا . وقتل بندار في من قتل ، رحمه الله . ثم صمد مساور إلى حلوان فقاتله أهلها ، وأعانهم حجاج أهل خرسان ، فقتل مساور منهم نحوا من أربعمائة إنسان ، قبحه الله . وقتل من أصحابه جماعة كثيرون أيضا . ولثلاث بقين من شوال قتل وصيف التركي وأرادت العامة أن تنهب داره بسامرا ودور أولاده ، فلم يمكنهم ذلك ، وجعل الخليفة المعتز ما كان إليه إلى بغا الشرابي .
وفي ليلة أربع عشرة من ذي القعدة من هذه السنة خسف القمر حتى غاب أكثره وغرق نوره ، وعند انتهاء خسوفه مات محمد بن عبد الله بن طاهر نائب العراق ببغداد . وكانت علته قروحا في رأسه وحلقه فذبحته ، ولما أتي به ليصلى عليه اختلف أخوه عبيد الله وابنه طاهر ، أيهما يصلي عليه ، وتنازعا حتى جذبت السيوف وترامى الناس بالحجارة ، وصاحت الغوغاء : يا طاهر ، يا منصور . فمال عبيد الله إلى الشرقية ومعه القواد وأكابر الناس ، فدخل داره وكان أخوه قد أوصى إليه . وحين بلغ المعتز ما وقع بعث بالخلع والولاية إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر ، فأطلق عبيد الله للذي قدم بالخلع خمسين ألف درهم .
وفيها نفى الخليفة المعتز أخاه أبا أحمد من سر من رأى إلى واسط ثم إلى [ ص: 495 ] البصرة ثم رد إلى بغداد فأنزل في الشرقية في قصر دينار بن عبد الله .
وفيها نفي علي ابن المعتصم إلى واسط ثم رد إلى بغداد أيضا .
وفي يوم الإثنين سلخ ذي القعدة موسى بن بغا الكبير هو والحسين بن أحمد الكوكبي الطالبي الذي خرج في سنة إحدى وخمسين عند التقى قزوين فاقتتلا قتالا شديدا ، ثم هزم الكوكبي وأخذ موسى بن بغا قزوين وهرب الكوكبي إلى الديلم . وذكر ابن جرير عن بعض من حضر هذه الوقعة أن الكوكبي حين التقى أمر أصحابه أن يتترسوا بالحجف ، وكانت السهام لا تعمل فيهم ، فأمر موسى بن بغا أصحابه عند ذلك أن يطرحوا ما معهم من النفط بالأرض ، ثم جاولوهم وأروهم أنهم قد انهزموا منهم ، فتبعهم أصحاب الكوكبي ، فلما توسطوا الأرض التي فيها النفط أمر عند ذلك بإلقاء النار فيه ، فجعلت النار تحرق أصحاب الكوكبي ، ففروا سراعا هاربين ، وكر عليهم موسى وأصحابه فقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وهرب الكوكبي إلى الديلم ، وتسلم موسى بن بغا قزوين .
وفيها حج بالناس عبد الله بن محمد بن سليمان الزينبي .