[ ص: 609 ] ثم دخلت سنة إحدى وثمانين ومائة
فيها
nindex.php?page=treesubj&link=33793غزا أمير المؤمنين nindex.php?page=showalam&ids=14370هارون الرشيد بلاد الروم ، فافتتح حصنا يقال له : الصفصاف . فقال في ذلك
مروان بن أبي حفصة : إن أمير المؤمنين المصطفى قد ترك الصفصاف قاعا صفصفا
وفيها غزا
عبد الملك بن صالح بلاد الروم ، فبلغ
أنقرة وافتتح
مطمورة .
وفيها تغلبت
المحمرة على
جرجان .
وفيها أمر
الرشيد أن يكتب في صدور الرسائل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الثناء على الله عز وجل .
وفيها حج بالناس
الرشيد وتعجل في النفر ، وسأله
يحيى بن خالد أن يعفيه من الولاية ، فأعفاه وأقام
يحيى بمكة .
ذكر من توفي فيها من الأعيان :
الحسن بن قحطبة أحد أكابر الأمراء العباسية ،
وحمزة بن مالك ، ولي إمرة
خراسان في أيام
الرشيد .
[ ص: 610 ] nindex.php?page=showalam&ids=15831وخلف بن خليفة شيخ الحسن بن عرفة عن مائة سنة .
nindex.php?page=treesubj&link=34064_33937وعبد الله بن المبارك أبو عبد الرحمن المروزي ، كان أبوه تركيا مولى لرجل من التجار من
بني حنظلة من
أهل همذان ، فكان
ابن المبارك إذا قدمها أحسن إلى ولد مولاهم ، وكانت أمه خوارزمية ، ولد سنة ثمان عشرة ومائة ، وسمع
إسماعيل بن أبي خالد ، nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ، nindex.php?page=showalam&ids=17245وهشام بن عروة ، nindex.php?page=showalam&ids=15767وحميدا الطويل ، وغيرهم من أئمة التابعين . وحدث عنه خلائق من الناس ، وكان موصوفا بالحفظ والفقه والعربية والزهد والكرم والشجاعة ، وله التصانيف الحسان ، والشعر المتضمن حكما جمة ، وكان كثير الغزو والحج ، وكان له رأس مال نحو أربعمائة ألف يدور يتجر به في البلدان ، فحيث اجتمع بعالم بلدة أحسن إليه ، وكان يربو كسبه في كل سنة على مائة ألف ، ينفقها كلها في أهل العلم والعبادة ، وربما أنفق من رأس المال .
قال
سفيان بن عيينة : نظرت في أمره وأمر الصحابة ، فما رأيتهم يفضلون عليه إلا بصحبتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال
إسماعيل بن عياش : ما على وجه الأرض مثله ، وما أعلم خصلة من الخير إلا وقد جعلها الله في
ابن المبارك ، ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من
[ ص: 611 ] مصر إلى
مكة ، فكان يطعمهم الخبيص ، وهو الدهر صائم .
وقدم مرة إلى
الرقة ، وبها
nindex.php?page=showalam&ids=14370هارون الرشيد ، فلما دخلها انجفل الناس يهرعون إلى
ابن المبارك ، وازدحم الناس حوله ، فأشرفت أم ولد
للرشيد من قصر هناك فقالت : ما للناس؟ فقيل لها : قدم رجل من علماء
خراسان يقال له :
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك . فانجفل الناس إليه . فقالت المرأة : هذا هو الملك ، لا ملك
nindex.php?page=showalam&ids=14370هارون الرشيد الذى يجمع الناس عليه بالسوط والعصا والرغبة والرهبة .
وخرج مرة إلى الحج ، فاجتاز ببعض البلاد ، فمات طائر معهم ، فأمر بإلقائه على مزبلة ، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم ، فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها ، فأخذت ذلك الطائر الميت ، فكشف عن أمرها وفحص ، حتى سألها ، فقالت : أنا وأختي هاهنا ، ليس لنا شيء إلا هذا الإزار ، وقد حلت لنا الميتة ، وكان أبونا له مال= عظيم ، فظلم وأخذ ماله وقتل . فأمر
ابن المبارك برد الأحمال ، وقال لوكيله : كم معك من النفقة؟ فقال : ألف دينار . فقال : عد منها عشرين دينارا تكفينا إلى
مرو ، وأعطها الباقي ، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام . ثم رجع .
وكان إذا عزم على الحج يقول لأصحابه : من عزم منكم على
[ ص: 612 ] الحج؟ فيأخذ منهم نفقاتهم ، ويكتب على كل صرة اسم صاحبها ويجمعها في صندوق ، ثم يخرج بهم في أوسع ما يكون من النفقات والركوب ، وحسن الخلق والتيسير عليهم ، فإذا قضوا حجتهم يقول لهم : هل أوصاكم أهلوكم بهدية؟ فيشتري لكل واحد منهم ما وصاه أهله من الهدايا المكية واليمنية وغيرها ، فإذا جاءوا إلى
المدينة اشترى لهم منها الهدايا المدنية ، فإذا قفلوا بعث من أثناء الطريق إلى بيوتهم فأصلحت وبيضت أبوابها ورمم شعثها ، فإذا رجعوا إلى أوطانهم عمل وليمة بعد قدومهم ودعاهم فأكلوا وكساهم ، ثم دعا بذلك الصندوق ففتحه وأخرج منه تلك الصرر ، ثم يقسم عليهم أن يأخذ كل واحد نفقته التي عليها اسمه ، فيأخذونها وينصرفون إلى منازلهم وهم شاكرون ناشرون لواء الثناء الجميل .
وكانت سفرته تحمل على بعير وحدها ، وفيها من أنواع المأكول من اللحم والدجاج والحلوى وغير ذلك ، يطعمه وهو صائم لله عز وجل في الحر الشديد .
وسأله مرة سائل ، فأعطاه درهما ، فقال له بعض أصحابه : إن هؤلاء يأكلون في غدائهم الشواء والفالوذج ، وقد كان يكفيه قطعة . فقال : والله ما ظننت أنه يأكل إلا البقل والخبز ، فأما إذا كان يأكل الشواء والفالوذج فلا بد من عشرة دراهم ، يا غلام : رده وأعطه عشرة دراهم . وفضائله ومناقبه ومآثره كثيرة جدا .
[ ص: 613 ] قال
أبو عمر بن عبد البر : أجمع العلماء على قبوله وجلالته وإمامته وعدله . توفي
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك بهيت في هذه السنة في رمضانها عن ثلاث وستين سنة .
nindex.php?page=showalam&ids=17130ومفضل بن فضالة ، ولي قضاء
مصر مرتين ، وكان دينا ثقة ، سأل الله أن يذهب عنه الأمل ، فأذهبه ، فكان بعد ذلك لا يهنئه عيش ولا شيء من الدنيا ، فسأل الله أن يرده عليه فرده ، فرجع إلى حاله .
ويعقوب التائب العابد الكوفي ، قال
علي ابن الموفق ، عن
منصور بن عمار : خرجت ذات ليلة وأنا أظن أني قد أصبحت ، فإذا علي ليل ، فجلست إلى باب صغير ، وإذا شاب يبكي وهو يقول : وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتك مخالفتك ، ولكن سولت لي نفسي ، وغلبتني شقوتي ، وغرني سترك المرخى علي ، فالآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من أتصل إن قطعت حبلك عني؟ واسوأتاه على ما مضى من أيامي في معصية ربي! يا ويلي كم أتوب ، وكم أعود! قد حان لي أن أستحيي من ربي عز وجل . قال
منصور : فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون [ التحريم : 6 ] . قال : فسمعت صوتا واضطرابا شديدا ، فذهبت لحاجتي ، فلما أصبحت رجعت ، فلما مررت على ذلك الباب ، فإذا جنازة ، فسألت ، فإذا هو قد مات من سماع هذه الآية .
[ ص: 609 ] ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ
فِيهَا
nindex.php?page=treesubj&link=33793غَزَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=showalam&ids=14370هَارُونُ الرَّشِيدُ بِلَادَ الرُّومِ ، فَافْتَتَحَ حِصْنًا يُقَالُ لَهُ : الصَّفْصَافُ . فَقَالَ فِي ذَلِكَ
مَرْوَانُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصْطَفَى قَدْ تَرَكَ الصَّفْصَافَ قَاعًا صَفْصَفًا
وَفِيهَا غَزَا
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ صَالِحٍ بِلَادَ الرُّومِ ، فَبَلَغَ
أَنْقَرَةَ وَافْتَتَحَ
مَطْمُورَةَ .
وَفِيهَا تَغَلَّبَتِ
الْمُحَمِّرَةُ عَلَى
جُرْجَانَ .
وَفِيهَا أَمَرَ
الرَّشِيدُ أَنْ يُكْتَبَ فِي صُدُورِ الرَّسَائِلِ الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ
الرَّشِيدُ وَتَعَجَّلَ فِي النَّفْرِ ، وَسَأَلَهُ
يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ أَنْ يُعْفِيَهُ مِنَ الْوِلَايَةِ ، فَأَعْفَاهُ وَأَقَامَ
يَحْيَى بِمَكَّةَ .
ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ :
الْحَسَنُ بْنُ قَحْطَبَةَ أَحَدُ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ الْعَبَّاسِيَّةِ ،
وَحَمْزَةُ بْنُ مَالِكٍ ، وَلِيَ إِمْرَةَ
خُرَاسَانَ فِي أَيَّامِ
الرَّشِيدِ .
[ ص: 610 ] nindex.php?page=showalam&ids=15831وَخَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ شَيْخُ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=34064_33937وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيُّ ، كَانَ أَبُوهُ تُرْكِيًّا مَوْلًى لِرَجُلٍ مِنَ التُّجَّارِ مِنْ
بَنِي حَنْظَلَةَ مِنْ
أَهْلِ هَمَذَانَ ، فَكَانَ
ابْنُ الْمُبَارَكِ إِذَا قَدِمَهَا أَحْسَنَ إِلَى وَلَدِ مَوْلَاهُمْ ، وَكَانَتْ أُمُّهُ خَوَارِزْمِيَّةً ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ ، وَسَمِعَ
إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشَ ، nindex.php?page=showalam&ids=17245وَهِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=15767وَحُمَيْدًا الطَّوِيلَ ، وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ . وَحَدَّثَ عَنْهُ خَلَائِقُ مِنَ النَّاسِ ، وَكَانَ مَوْصُوفًا بِالْحِفْظِ وَالْفِقْهِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالزُّهْدِ وَالْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ ، وَلَهُ التَّصَانِيفُ الْحِسَانُ ، وَالشِّعْرُ الْمُتَضَمِّنُ حِكَمًا جَمَّةً ، وَكَانَ كَثِيرَ الْغَزْوِ وَالْحَجِّ ، وَكَانَ لَهُ رَأْسُ مَالٍ نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ يَدُورُ يَتَّجِرُ بِهِ فِي الْبُلْدَانِ ، فَحَيْثُ اجْتَمَعَ بِعَالِمِ بَلْدَةٍ أَحْسَنَ إِلَيْهِ ، وَكَانَ يَرْبُو كَسْبُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ ، يُنْفِقُهَا كُلَّهَا فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ ، وَرُبَّمَا أَنْفَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
قَالَ
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : نَظَرْتُ فِي أَمْرِهِ وَأَمْرِ الصَّحَابَةِ ، فَمَا رَأَيْتُهُمْ يَفْضُلُونَ عَلَيْهِ إِلَّا بِصُحْبَتِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ : مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِثْلُهُ ، وَمَا أَعْلَمُ خَصْلَةً مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي
ابْنِ الْمُبَارَكِ ، وَلِقَدْ حَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّهُمْ صَحِبُوهُ مِنْ
[ ص: 611 ] مِصْرَ إِلَى
مَكَّةَ ، فَكَانَ يُطْعِمُهُمُ الْخَبِيصَ ، وَهُوَ الدَّهْرَ صَائِمٌ .
وَقَدِمَ مَرَّةً إِلَى
الرَّقَّةِ ، وَبِهَا
nindex.php?page=showalam&ids=14370هَارُونُ الرَّشِيدُ ، فَلَمَّا دَخَلَهَا انْجَفَلَ النَّاسُ يُهْرَعُونَ إِلَى
ابْنِ الْمُبَارَكِ ، وَازْدَحَمَ النَّاسُ حَوْلَهُ ، فَأَشْرَفَتْ أُمُّ وَلَدٍ
لِلرَّشِيدِ مِنْ قَصْرٍ هُنَاكَ فَقَالَتْ : مَا لِلنَّاسِ؟ فَقِيلَ لَهَا : قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ
خُرَاسَانَ يُقَالُ لَهُ :
nindex.php?page=showalam&ids=16418عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ . فَانْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ . فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ : هَذَا هُوَ الْمُلْكُ ، لَا مُلْكَ
nindex.php?page=showalam&ids=14370هَارُونَ الرَّشِيدِ الذى يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَيْهِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ .
وَخَرَجَ مَرَّةً إِلَى الْحَجِّ ، فَاجْتَازَ بِبَعْضِ الْبِلَادِ ، فَمَاتَ طَائِرٌ مَعَهُمْ ، فَأَمَرَ بِإِلْقَائِهِ عَلَى مَزْبَلَةٍ ، وَسَارَ أَصْحَابُهُ أَمَامَهُ وَتَخَلَّفَ هُوَ وَرَاءَهُمْ ، فَلَمَّا مَرَّ بِالْمَزْبَلَةِ إِذَا جَارِيَةٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ دَارٍ قَرِيبَةٍ مِنْهَا ، فَأَخَذَتْ ذَلِكَ الطَّائِرَ الْمَيِّتَ ، فَكَشَفَ عَنْ أَمْرِهَا وَفَحَصَ ، حَتَّى سَأَلَهَا ، فَقَالَتْ : أَنَا وَأُخْتِي هَاهُنَا ، لَيْسَ لَنَا شَيْءٌ إِلَّا هَذَا الْإِزَارَ ، وَقَدْ حَلَّتْ لَنَا الْمَيْتَةُ ، وَكَانَ أَبُونَا لَهُ مَالٌ= عَظِيمٌ ، فَظُلِمَ وَأُخِذَ مَالُهُ وَقُتِلَ . فَأَمَرَ
ابْنُ الْمُبَارَكِ بِرَدِّ الْأَحْمَالِ ، وَقَالَ لِوَكِيلِهِ : كَمْ مَعَكَ مِنَ النَّفَقَةِ؟ فَقَالَ : أَلْفُ دِينَارٍ . فَقَالَ : عُدَّ مِنْهَا عِشْرِينَ دِينَارًا تَكْفِينَا إِلَى
مَرْوَ ، وَأَعْطِهَا الْبَاقِيَ ، فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ حَجِّنَا فِي هَذَا الْعَامِ . ثُمَّ رَجَعَ .
وَكَانَ إِذَا عَزَمَ عَلَى الْحَجِّ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ : مَنْ عَزَمَ مِنْكُمْ عَلَى
[ ص: 612 ] الْحَجِّ؟ فَيَأْخُذُ مِنْهُمْ نَفَقَاتِهِمْ ، وَيَكْتُبُ عَلَى كُلِّ صُرَّةٍ اسْمَ صَاحِبِهَا وَيَجْمَعُهَا فِي صُنْدُوقٍ ، ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ فِي أَوْسَعِ مَا يَكُونُ مِنَ النَّفَقَاتِ وَالرُّكُوبِ ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا قَضَوْا حَجَّتَهُمْ يَقُولُ لَهُمْ : هَلْ أَوْصَاكُمْ أَهْلُوكُمْ بِهَدِيَّةٍ؟ فَيَشْتَرِي لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا وَصَّاهُ أَهْلُهُ مِنَ الْهَدَايَا الْمَكِّيَّةِ وَالْيَمَنِيَّةِ وَغَيْرِهَا ، فَإِذَا جَاءُوا إِلَى
الْمَدِينَةَ اشْتَرَى لَهُمْ مِنْهَا الْهَدَايَا الْمَدَنِيَّةَ ، فَإِذَا قَفَلُوا بَعَثَ مِنْ أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ إِلَى بُيُوتِهِمْ فَأُصْلِحَتْ وَبُيِّضَتْ أَبْوَابُهَا وَرُمِّمَ شَعَثُهَا ، فَإِذَا رَجَعُوا إِلَى أَوْطَانِهِمْ عَمِلَ وَلِيمَةً بَعْدَ قُدُومِهِمْ وَدَعَاهُمْ فَأَكَلُوا وَكَسَاهُمْ ، ثُمَّ دَعَا بِذَلِكَ الصُّنْدُوقِ فَفَتَحَهُ وَأَخْرَجَ مِنْهُ تِلْكَ الصُّرَرَ ، ثُمَّ يُقْسِمُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ نَفَقَتَهُ الَّتِي عَلَيْهَا اسْمُهُ ، فَيَأْخُذُونَهَا وَيَنْصَرِفُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَهُمْ شَاكِرُونَ نَاشِرُونَ لِوَاءَ الثَّنَاءِ الْجَمِيلِ .
وَكَانَتْ سُفْرَتُهُ تُحْمَلُ عَلَى بَعِيرٍ وَحْدَهَا ، وَفِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَأْكُولِ مِنَ اللَّحْمِ وَالدَّجَاجِ وَالْحَلْوَى وَغَيْرِ ذَلِكَ ، يُطْعِمُهُ وَهُوَ صَائِمٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ .
وَسَأَلَهُ مَرَّةً سَائِلٌ ، فَأَعْطَاهُ دِرْهَمًا ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : إِنَّ هَؤُلَاءِ يَأْكُلُونَ فِي غَدَائِهِمُ الشِّوَاءَ وَالْفَالَوْذَجَ ، وَقَدْ كَانَ يَكْفِيهِ قِطْعَةٌ . فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَأْكُلُ إِلَّا الْبَقْلَ وَالْخُبْزَ ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ يَأْكُلُ الشِّوَاءَ وَالْفَالَوْذَجَ فَلَا بُدَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، يَا غُلَامُ : رُدَّهُ وَأَعْطِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ . وَفَضَائِلُهُ وَمَنَاقِبُهُ وَمَآثِرُهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا .
[ ص: 613 ] قَالَ
أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَبُولِهِ وَجَلَالَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَعَدْلِهِ . تُوُفِّيَ
nindex.php?page=showalam&ids=16418عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ بِهَيْتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي رَمَضَانِهَا عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً .
nindex.php?page=showalam&ids=17130وَمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ ، وَلِيَ قَضَاءَ
مِصْرَ مَرَّتَيْنِ ، وَكَانَ دَيِّنًا ثِقَةً ، سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُ الْأَمَلَ ، فَأَذْهَبَهُ ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُهَنِّئُهُ عَيْشٌ وَلَا شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَرَدَّهُ ، فَرَجَعَ إِلَى حَالِهِ .
وَيَعْقُوبُ التَّائِبُ الْعَابِدُ الْكُوفِيُّ ، قَالَ
عَلِيٌّ ابْنُ الْمُوَفَّقِ ، عَنْ
مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ : خَرَجْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا أَظُنُّ أَنِّي قَدْ أَصْبَحْتُ ، فَإِذَا عَلَيَّ لَيْلٌ ، فَجَلَسْتُ إِلَى بَابٍ صَغِيرٍ ، وَإِذَا شَابٌّ يَبْكِي وَهُوَ يَقُولُ : وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ مَا أَرَدْتُ بِمَعْصِيَتِكَ مُخَالَفَتَكَ ، وَلَكِنْ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ، وَغَلَبَتْنِي شِقْوَتِي ، وَغَرَّنِي سِتْرُكَ الْمُرْخَى عَلَيَّ ، فَالْآنَ مِنْ عَذَابِكَ مَنْ يَسْتَنْقِذُنِي؟ وَبِحَبْلِ مَنْ أَتَّصِلُ إِنْ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي؟ وَاسَوْأَتَاهُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ أَيَّامِي فِي مَعْصِيَةِ رَبِّي! يَا وَيْلِي كَمْ أَتُوبُ ، وَكَمْ أَعُودُ! قَدْ حَانَ لِي أَنْ أَسْتَحْيِيَ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ
مَنْصُورٌ : فَقُلْتُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [ التَّحْرِيمِ : 6 ] . قَالَ : فَسَمِعْتُ صَوْتًا وَاضْطِرَابًا شَدِيدًا ، فَذَهَبْتُ لِحَاجَتِي ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ رَجَعْتُ ، فَلَمَّا مَرَرْتُ عَلَى ذَلِكَ الْبَابِ ، فَإِذَا جِنَازَةٌ ، فَسَأَلْتُ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ مِنْ سَمَاعِ هَذِهِ الْآيَةِ .