ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية [ ص: 45 ] يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور .
[154] ثم أنزل عليكم يا معشر المسلمين.
من بعد الغم أمنة أي: أمنا نعاسا يغشى أي: النعاس.
طائفة منكم وهم المؤمنون. قرأ حمزة، والكسائي، (تغشى) بالتاء ردا إلى الـ (أمنة)، والباقون: بالياء ردا إلى (النعاس). وخلف
قال "أمنهم يومئذ بنعاس يغشاهم، إنما ينعس من يأمن" والخائف لا ينام، فأراد الله تمييز المؤمنين من المنافقين، فأوقع النعاس على المؤمنين حتى أمنوا، ولم يوقع على المنافقين، فبقوا في الخوف. ابن عباس:
وطائفة مبتدأ، خبره:
قد أهمتهم أنفسهم وهم المنافقون، لم يكن لهم هم بأحد سوى أنفسهم دون النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.
يظنون بالله غير الظن. [ ص: 46 ]
الحق ظن أي: ظنا مثل ظن الجاهلية والذي ظنوه أن محمدا قتل، أو أن الله لا ينصره.
يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
هل لنا من الأمر أي: من أمر النصرة.
من شيء قل إن الأمر كله لله قرأ أبو عمرو، (كله) برفع اللام على الابتداء وخبره في (لله)، والباقون: بالنصب على البدل. ويعقوب:
يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا وذلك أن المنافقين قالوا بينهم مسارين: لو كان لنا عقول وتركنا، ما خرجنا مع محمد، ولا قتل رؤساؤنا، فقال تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- تكذيبا لهم:
قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم مصارعهم.
المعنى: لو قعدتم في بيوتكم، وفيكم من علم الله أنه يقتل، لخرج الشخص المعلوم إلى مصرعه فقتل; لأن معلوم الله كائن حتما.
وليبتلي الله أي: ليختبر.
ما في صدوركم وليمحص يخرج ويظهر.
ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور بما في القلوب من خير وشر، وقد اجتمع حروف المعجم كلها التسعة والعشرون في هذه الآية من [ ص: 47 ] قوله: ثم أنزل عليكم وكذا في سورة الفتح في قوله: محمد رسول الله [الفتح: 29] إلى آخر السورة، وليس في القرآن آيتان كل آية حوت حروف المعجم غيرهما، من دعا الله بهما، استجيب له.