ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين
11 - ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ؛ هو مجاز عن إيجاد الله (تعالى) السماء على ما أراد؛ تقول العرب: "فعل فلان كذا؛ ثم استوى إلى عمل كذا"؛ يريدون أنه أكمل الأول؛ وابتدأ الثاني؛ ويفهم منه أن خلق السماء كان بعد خلق الأرض؛ وبه قال - رضي الله عنهما -؛ وعنه أنه قال: "أول ما خلق الله (تعالى) جوهرة طولها وعرضها مسيرة ألف سنة؛ في مسيرة عشرة آلاف سنة؛ فنظر إليها بالهيبة فذابت؛ واضطربت؛ ثم ثار منها دخان بتسليط النار عليها؛ فارتفع؛ واجتمع زبد؛ فقام فوق الماء؛ فجعل الزبد أرضا؛ والدخان سماء"؛ [ ص: 229 ] ومعنى أمر السماء والأرض بالإتيان؛ وامتثالهما: أنه أراد أن يكونهما؛ فلم يمتنعا عليه؛ ووجدتا كما أرادهما؛ وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع؛ إذا ورد عليه فعل الآمر المطاع؛ وإنما ذكر الأرض مع السماء في الأمر بالإتيان؛ والأرض مخلوقة قبل السماء بيومين؛ لأنه قد خلق جرم الأرض أولا غير مدحوة؛ ثم دحاها بعد خلق السماء؛ كما قال: ابن عباس والأرض بعد ذلك دحاها ؛ فالمعنى: "ائتيا على ما ينبغي عليه أن تأتيا من الشكل؛ والوصف؛ ائتي يا أرض مدحوة؛ قرارا ومهادا لأهلك؛ وأتي يا سماء مقبية سقفا لهم"؛ ومعنى الإتيان الحصول والوقوع؛ كما تقول: "أتى عمله مرضيا"؛ وقوله: "طوعا أو كرها"؛ لبيان تأثير قدرته فيهما؛ وأن امتناعهما من تأثير قدرته محال؛ كما تقول لمن تحت يدك: "لتفعلن هذا؛ شئت أو أبيت"؛ ولتفعلنه طوعا أو كرها؛ وانتصابها على الحال؛ بمعنى: "طائعتين"؛ أو مكرهتين؛ وإنما لم يقل: "طائعتين"؛ على اللفظ؛ أو "طائعات"؛ على المعنى؛ لأنهما سماوات وأرضون؛ لأنهن لما جعلن مخاطبات ومجيبات؛ ووصفن بالطوع؛ والكره؛ قيل: "طائعين"؛ في موضع "طائعات"؛ كقوله: "ساجدين" .