الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
تمهيد

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون:

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأمته.

وبعد: فإذا ما كان الحق عز وعلا قد شاء أن يجعل الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات، فقد كان ضرورة أن تكون هـذه الرسالة شاملة أهل الأرض جميعا حتى قيام الساعة، وأن يكون منهاج هـذه الرسالة صالحا لكل زمان ومكان، ومصلحا كل شئون أهل الأرض، فيما يكون له أثر في حياتهم في الدنيا والآخرة.

ولما كان من طبيعة أهل الأرض اقتراف ما لا تستقيم عليه حركة الحياة في هـذه الأرض إن غفلة، وخطأ وإن عمدا، وخطيئة، كان ضرورة أن يكون في منهاج الرسالة الخاتمة ما به يتحقق لأهل الأرض تقويم ما اعوج وإصلاح ما فسد على نحو لا يتجاوز طاقة من يقوم لهذا التقويم، وذلك الإصلاح ولا يشتط فيهلك، من كان منه عوج أو ذلت به قدم.. فكان في رسالة الإسلام الخاتمة ما يرسم الطريق المستقيم، وما يبين الغاية من تقويم العوج، وإصلاح الفساد، وتغيير المنكر، وكان فيها – أيضا – ما يجلي وسائل هـذا التقويم والإصلاح والتغيير، حتى يتخذ لكل عوج وفساد ومنكر وسيلته، التي هـي أليق به، وأهدى إلى الغاية من تقويمه وإصلاحه وتغييره.

ولما كان القيام بذلك الإصلاح والتغيير بحاجة إلى الفقه والحكمة كانت هـذه الدراسة: " فقه تغيير المنكر غاية ووسيلة " في ضوء الكتاب [ ص: 33 ] والسنة، وهي لا ترمي إلا إلى نصيحة كل مسلم، وبيان ما فيه الهدى، وما به يتحقق للأمة المسلمة وجودها، وتمكنها من أداء رسالتها.

والقول في تغيير المنكر، قال فيه أهل العلم الكثير، فكان موردا لهذه الدراسة ترده، فتصدر عنه ذات ري، وهي في الوقت نفسه، حريصة على أن تقدم بين يدي القارئ، ما تظن أن فيه ما ليس مذكورا فيما وردته وصدرت عنه من مقالات أهل العلم، وتحقيقاتهم في هـذا الباب. ولولا هـذا الظن الناشب بها ما كان لها أن تسفر وجهها للناظرين.

وهذا ما يجعلها تستجدي القارئ الريث والتبصر، ليرى وجه الحق فيما تقدمه فلا يقبل شيئا أو يرده إلا من بعد تدقيق وتحقيق وتحرير، فما عارضه القرآن والسنة ألقى به دون توقف، وما كان منبثقا من القرآن والسنة اعتنقه، والتزم به، ودعا إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، والاستمساك بالحق والاستشهاد في سبيل نصرته، وإن وقف في وجهه كل من على ظهر الأرض فإن من شأن المسلم ألا يلوم في الحق لومة لائم، ولا يضن على نصره بشيء البتة.

( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) (التوبة: 111) .

محمود توفيق محمد سعد [ ص: 34 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية