فصل
قال شيخ الإسلام : أول ما ظهر إنكار أن الله سبحانه يتكلم بصوت في أثناء المائة الثالثة ، فإنه لما ظهرت الجهمية المعطلة في إمارة أبي العباس المأمون وأدخلته في آرائها بعد أن كانوا أذلاء مقموعين ، وهؤلاء كان عندهم أن الله لا يتكلم أصلا بحرف [ ص: 526 ] ولا صوت ولا معنى ولا يرى ، ولا هو مستو على عرشه ، ولا علم ولا حياة ولا إرادة ولا حكمة تقوم به فلما وقعت المحنة وثبت الله خلفاء الرسل وورثة الأنبياء على ما ورثوه عن الأنبياء والمرسلين ، وعلموا أن باطل أولئك هو نفاق مشتق من أقوال المشركين والصابئين الذين هم أعداء الرسول وسوس الملك ، وظهر للأمة سوء مذاهب الجهمية وما فيها من التعطيل ظهر حينئذ وأثبت الصفات موافقة لأهل السنة ، ونفى عنها الخلق ردا على عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري الجهمية والمعتزلة ، ولم يفهم لنفي الخلق عنها معنى إلا كونها قديمة قائمة بذاته سبحانه ، فأثبت قدم العلم والسمع والبصر والكلام وغيرها ، ورأى أن القديم لا يتصور أن يكون حروفا وأصواتا لما فيها من التعاقب وسبق بعضها بعضا ، فجعل كلام الله القديم الذي ليس بمخلوق هو مجرد معنى أو معان محصورة ، وسلك طريقة خالف فيها المعتزلة ، ولم يوافق فيها أهل الحديث في كل ما هم عليه ، فلزم من ذلك أن يقول إن الله لم يتكلم بصوت وحرف وتبعه طائفة من الناس .
وأنكر ذلك وأصحابه كلهم ، الإمام أحمد صاحب الصحيح ، فقال والبخاري عبد الله بن أحمد في كتاب السنة : قلت لأبي : يا أبت إن قوما يقولون إن الله لم يتكلم بصوت ، فقال : يا بني هؤلاء الجهمية إنما يدورون على التعطيل يريدون أن يلبسوا على الناس ، بلى تكلم بصوت .
ثم قال حدثنا حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي حدثنا الأعمش عن مسلم بن صبيح مسروق عن عبد الله قال : ، وصرح إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء كجر السلسلة على الصف بأن الله يتكلم بحرف وصوت ، وذكر في كتابه الصحيح حديث البخاري جابر " يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب " فاحتج به في الباب وإن ذكره تعليقا ، وذكر عن مسروق عن : ابن مسعود . إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات شيئا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق من ربهم ونادوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق
[ ص: 527 ] وكذلك ابن القاسم صاحب مالك صرح في رسالته في السنة : إن الله يتكلم بصوت وهذا لفظه قال : والإيمان بأن الله كلم موسى بن عمران بصوت سمعه موسى من الله تعالى لا من غيره ، فمن قال غير هذا أو شك فقد كفر ، حكى ذلك ابن شكر في الرد على الجهمية عنه .
وكذلك أبو الحسن بن سالم شيخ صرح بذلك ، وكان سهل بن عبد الله التستري ينكر أولا أن الله يتكلم بصوت ثم رجع عن ذلك ، وحكى عنه الحارث المحاسبي الكلاباذي في كتاب ( التعرف لمذهب التصوف ) أنه كان يقول : إن الله يتكلم بصوت ، وهذا آخر قوله كما ذكره معمر بن زياد الأصبهاني في أخبار الصوفية أن الحارث كان يقول : إن الله يتكلم بلا صوت ثم رجع عن ذلك .
وكذلك قام إمام الأئمة محمد بن خزيمة وشيخ الإسلام وأبو نصر السجزي الأنصاري ، كلهم يصرح أن الله تعالى يتكلم بصوت ، وأبو عمر الطمنكي في كتاب خلق الأفعال . والبخاري