الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3064 حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي ومحمد بن المتوكل العسقلاني المعنى واحد أن محمد بن يحيى بن قيس المأربي حدثهم أخبرني أبي عن ثمامة بن شراحيل عن سمي بن قيس عن شمير قال ابن المتوكل ابن عبد المدان عن أبيض بن حمال أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح قال ابن المتوكل الذي بمأرب فقطعه له فلما أن ولى قال رجل من المجلس أتدري ما قطعت له إنما قطعت له الماء العد قال فانتزع منه قال وسأله عما يحمى من الأراك قال ما لم تنله خفاف وقال ابن المتوكل أخفاف الإبل حدثني هارون بن عبد الله قال قال محمد بن الحسن المخزومي ما لم تنله أخفاف الإبل يعني أن الإبل تأكل منتهى رءوسها ويحمى ما فوقه

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( المأربي ) : نسبة إلى مأرب كمنزل بلدة باليمن ( عن شمير ) : كعظيم ( قال ابن المتوكل ابن عبد المدان ) : أي قال محمد بن المتوكل في روايته عن شمير بن عبد المدان ، وأما قتيبة فقال في روايته عن شمير فقط بغير نسبته إلى أبيه ( عن أبيض بن حمال ) : بالمهملة وتشديد الميم له صحبة وكان اسمه أسود وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض . قال القاري ( أنه وفد ) : قال السبكي : وفد عليه بالمدينة وقيل بل لقيه في حجة الوداع . قاله في مرقاة الصعود ( فاستقطعه الملح ) أي معدن الملح أي سأله أن يقطعه إياه ( قال ابن المتوكل الذي بمأرب ) : أي قال في روايته فاستقطعه الملح الذي بمأرب ، ومأرب موضع باليمن غير مصروف ( فقطعه ) : الملح ( له ) : أي لأبيض ( ولى ) : أي أدبر ( قال رجل ) : وهو الأقرع بن [ ص: 243 ] حابس على ما ذكره الطيبي وقيل إنه العباس بن مرداس ( الماء العد ) : بكسر العين وتشديد الدال المهملتين أي الدائم الذي لا ينقطع .

                                                                      قال في القاموس : الماء الذي له مادة لا تنقطع كماء العين . والمقصود أن الملح الذي قطعت له هو كالماء العد في حصوله من غير عمل وكد ( فانتزع ) : أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الملح ( منه ) : أي من أبيض .

                                                                      قال القاري : ومن ذلك علم أن إقطاع المعادن إنما يجوز إذا كانت باطنة لا ينال منها شيء إلا بتعب ومؤنة كالملح والنفط والفيروزج والكبريت ونحوها وما كانت ظاهرة يحصل المقصود منها من غير كد وصنعة لا يجوز إقطاعها ، بل الناس فيها شركاء كالكلأ ومياه الأودية ، وأن الحاكم إذا حكم ثم ظهر أن الحق في خلافه ينقض حكمه ويرجع عنه . انتهى .

                                                                      وقال السيوطي في مرقاة الصعود : قال القاضي أبو الطيب وغيره : إنما أقطعه على ظاهر ما سمعه منه كمن استفتي في مسألة فصورت له على خلاف ما هي عليه فأفتى فبان له أنها بخلافه فأفتى بما ظهر له ثانيا فلا يكون مخطئا ، وذلك الحكم ترتب على حجة الخصم فتبين خلافها وليس ذلك من الخطأ في شيء . قال السبكي : يحتمل أن إنشاء تحريم إقطاع المعادن الظاهرة إنما كان لما رده النبي صلى الله عليه وسلم ويكون إقطاعه قبل ذلك إما جائزا وإما على حكم الأصل أو يكون الإقطاع كان مشروطا بصفة ، ويرشد إليه قوله في بعض الروايات فلا آذن فإنه يتبين أنه على خلاف الصفة المشروطة في الإقطاع . وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم استقاله ، والظاهر أن استقالته تطييب لقلبه تكرما منه صلى الله عليه وسلم .

                                                                      وفي معجم الطبراني : أن أبيض قال قد أقلته منه على أن تجعله مني صدقة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو منك صدقة ، فهذا من النبي صلى الله عليه وسلم مبالغة في مكارم الأخلاق انتهى ( عما يحمى ) : على بناء المفعول ( من الأراك ) : بيان لما هو القطعة من الأرض على ما في القاموس ، ولعل المراد منه الأرض التي فيها الأراك . قال المظهر : المراد من الحمى هنا الإحياء إذ الحمى المتعارف لا يجوز لأحد أن يخصه . قاله القاري .

                                                                      وقال في فتح الودود : الأراك بالفتح شجر والمراد أنه سأله عن الأراك الذي يحمى [ ص: 244 ] كأنه قال أي الأراك يجوز أن يحمى يا رسول الله . انتهى . وفي النيل : وأصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا نزل منزلا مخصبا استعوى كلبا على مكان عال فإلى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه غيره ، ويرعى هو مع غيره فيما سواه .

                                                                      والحمى هو المكان المحمي وهو خلاف المباح ، ومعناه أن يمنع من الإحياء في ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ وترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها . وأحاديث الباب تدل على أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن بعده من الأئمة إقطاع المعادن ، والمراد بالإقطاع جعل بعض الأراضي الموات مختصة ببعض الأشخاص سواء كان ذلك معدنا أو أرضا فيصير ذلك البعض أولى به من غيره ، ولكن بشرط أن يكون من الموات التي لا يختص بها أحد .

                                                                      قال ابن التين : إنه إنما يسمى إقطاعا إذا كان من أرض أو عقار ، وإنما يقطع من الفيء ولا يقطع من حق مسلم ولا معاهد . وقد يكون الإقطاع تمليكا وغير تمليك ، وعلى الثاني يحمل إقطاعه صلى الله عليه وسلم الدور بالمدينة . انتهى .

                                                                      ( قال ) : أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما لم تنله ) : بفتح النون أي لم تصله ( أخفاف الإبل ) : أي ما كان بمعزل من المراعي والعمارات . وفيه دليل على أن الإحياء لا يجوز بقرب العمارة لاحتياج البلد إليه لمرعى مواشيهم وإليه أشار بقوله : ما لم تنله أخفاف الإبل أي ليكن الإحياء في موضع بعيد لا تصل إليه الإبل السارحة . وفي الفائق : قيل الأخفاف مسان الإبل .

                                                                      قال الأصمعي : الخف الجمل المسن ، والمعنى أن ما قرب من المرعى لا يحمى بل يترك لمسان الإبل وما في معناها من الضعاف التي لا تقوى على الإمعان في طلب المرعى . كذا في المرقاة .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه ، وقال الترمذي حسن غريب هذا آخر كلامه ، وفي إسناده محمد بن يحيى بن قيس السبائي المأربي . قال ابن عدي : أحاديثه مظلمة منكرة ، وذكر أبو داود عن محمد بن الحسن المخزومي قال : ما لم تنله أخفاف الإبل يعني أن الإبل تأكل منتهى رءوسها ويحمي ما فوقه . وذكر الخطابي وجها آخر [ ص: 245 ] وهو أنه إنما يحمي من الأراك ما بعد من حضرة العمارة فلا تبلغه الإبل الرائحة . إذا أرسلت في الرعي انتهى كلام المنذري .

                                                                      ( يعني أن الإبل تأكل إلخ ) : حاصله أن ذاك هو ما لم تنله أفواهها حال مشيها على أخفافها . كذا في فتح الودود .




                                                                      الخدمات العلمية