الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ثم الحر إذا فقأ عيني عبد إنسان أو قطع يديه أو رجليه حتى وجب عليه كمال القيمة فمولاه بالخيار إن شاء سلمه إلى الفاقئ وأخذ قيمته ، وإن شاء أمسكه ولا شيء له .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - له أن يمسكه ويأخذ ما نقصه .

                                                                                                                                وقال الشافعي - رحمه الله - له أن يمسكه ويأخذ جميع القيمة ( وجه ) قوله أن الواجب فيه - وهو القيمة - ضمان العضوين الفائتين لا غير فيبقى الباقي على ملكه كما لو فقأ إحدى عينيه أو قطع إحدى يديه أنه يضمن نصف قيمته ويبقى الباقي على ملك مالكه ، كذا هذا .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن الضمان بمقابلة العينين كما قال الشافعي عليه الرحمة لكن الرقبة هلكت من وجه لفوات منفعة الجنس فيخير المولى إن شاء مال إلى جهة الهلاك وضمنه القيمة وسلم العبد إلى الفاقئ لوصول عوض الرقبة إليه ، وإن شاء مال إلى جهة القيام وأمسكه وضمن النقصان وهو بدل العينين ، كما يخير صاحب المال عند النقصان الفاحش في المواضع كلها ولأبي حنيفة رضي الله عنه أنه لما وصل إلى المولى بدل النفس فلو بقي العبد على ملكه لاجتمع البدل والمبدل في ملك رجل فيما يصح تمليكه بعقود المعاوضات ، وهذا لا يجوز كما لا يجوز اجتماع المبيع والثمن في ملك رجل واحد ، ولا يلزم ما إذا غصب مدبرا فأبق من يده أن المولى يضمنه قيمته ، والمدبر على ملكه لأنه لا يحتمل التمليك بعقد المعاوضة ، ولا تلزم الهبة بشرط العوض إذا سلم الهبة ، ولم يقبض العوض أنه اجتمع على ملك الموهوب له العوض والمعوض ; لأن العوض قبل القبض لا يكون عوضا فلم يجتمع العوض والمعوض ، ولا يلزم البيع الفاسد إذا قبض المشتري المبيع ، ولم يسلم الثمن لأن الثمن ليس ببدل في البيع الفاسد إنما البدل القيمة ، وقد ملكها البائع حين ملك المشتري المبيع فلم يجتمع البدل والمبدل في ملكه .

                                                                                                                                ولا يلزم ما إذا اشترى عبدا بجارية على أنه بالخيار فقبض العبد فأعتقهما جميعا أنه ينفذ إعتاقه فيهما جميعا ، وقد اجتمع العوض والمعوض على ملكه لأنه لما أعتقهما فسد البيع في الجارية وصار العوض عن العبد القيمة ، وملكها البائع في مقابلة ملك العبد فلم يجتمع العوض والمعوض ، ولا يلزم ما إذا استأجر شيئا وعجل الأجرة أن المؤاجر يملكها ، والمنافع على ملكه فقد اجتمع البدل والمبدل في ملك واحد ; لأن المنافع لا تملك عندنا إلا بعد وجودها ، وكلما وجد جزء منها حدث على ملك المستأجر فلم يجتمع العوض والمعوض على ملك المؤاجر ، ولا يلزم ما إذا غصب عبدا فجنى عنده جناية ثم رده على مولاه فجنى عنده [ ص: 314 ] جناية أخرى ودفعه بالجنايتين أنه يرجع على الغاصب بنصف القيمة فيدفعها إلى ولي الجناية الأولى ، ومعلوم أن نصف القيمة عوض عن نصف الرقبة الذي سلم له فقد اجتمع في ملكه ، وهو نصف العبد العوض والمعوض لأن الممتنع اجتماع العوض والمعوض في ملك رجل بعقد المعاوضة ، ولم يوجد هناك ; لأن ولي الجناية إنما يأخذ عوضا عن جنايته لا عن المال ، واجتماع العوض والمعوض في ملك رجل واحد بغير عقد المعاوضة جائز كمن استوهب المبيع من البائع والثمن من المشتري أو ورثهما ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                وإن كان الجاني عبدا والمجني عليه حرا ، أو كانا جميعا عبدين فحكم هذه الجناية وجوب الدفع إلا أن يختار المولى الفداء على ما ذكرنا في جنايات العبيد ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية