الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ومن أحكام الإسلام أن لا يملك المعتق أن يسترق بيده ما أعتقه بلسانه ، ولو دبر عبده في دار الإسلام ، ثم رجع إلى دار الحرب ، وخلف المدبر ، أو خلف أم ولده التي استولدها في دار الإسلام ، أو في دار الحرب ، ثم مات على كفره أو قتل أو أسر يحكم بعتقهما أما إذا مات أو قتل فظاهر ; لأن أم الولد والمدبر يعتقان بموت سيدهما ، والمقتول ميت بأجله ، وإن رغم أنف المعتزلة ( وأما ) إذا أسر فلأنه صار مملوكا فلم يبق مالكا ضرورة .

                                                                                                                                وأما مكاتبه الذي كاتبه في دار الإسلام ، ودخل هو إلى دار الحرب فهو مكاتب على حاله ، وبدل الكتابة عليه لورثته إذا مات ، وكذلك الرهون والودائع والديون التي له على الناس .

                                                                                                                                وما كان للناس عليه فهي كلها على حالها إذا مات ; لأنه دخل دار الإسلام بأمان ومعه هذه الأموال ، فكان حكم الأمان فيها باقيا ، وكذلك لو ظهر على الدار فظهر الحربي أو قتل ولم يظهر على الدار ، فملكه على حاله يعود فيأخذ ، أو يجيء ورثته فيأخذونه له أما إذا هرب ولم يقتل ولم يؤسر فظاهر .

                                                                                                                                وأما إذا قتل ولم يظهر ، فلأن ماله صار ميراثا لورثته ، فيجيئون فيأخذونه ، والمكاتب على حاله يؤدي إلى ورثته فيعتق ، فأما إذا ظهر وأسر ، أو أسر ولم يظهر ، أو ظهر وقتل يعتق مكاتبه أما إذا ظهر وأسر ، أو أسر ولم يظهر فظاهر ; لأنه ملك بالأسر وكذا إذا ظهر وقتل ; لأن القتل بعد الظهور قتل بعد الأسر ، ويبطل ما كان له من الدين ; لما ذكرنا أنه بالأسر صار مملوكا فلم يبق مالكا ، [ ص: 134 ] فسقطت ديونه ضرورة .

                                                                                                                                ولا يصير مالكا للأسر ; لأن الدين في الذمة ، وما في الذمة لا يعمل عليه الأسر ، وكذلك ما عليه من الديون يسقط أيضا ; لأنه لو بقي لتعلق برقبته فلا يخلص السبي للسابي وأما ودائعه فهي في جماعة المسلمين .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف - رحمه الله - أنها تكون فيئا للمودع .

                                                                                                                                ( ووجهه ) أن يده عن يد الغانمين أسبق ، والمباح مباح لمن سبق على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه ظاهر الرواية أن يد المودع يده تقديرا ، فكان الاستيلاء عليه بالأسر استيلاء على ما في يده تقديرا ، ولا يختص به الغانمون ; لأنه مال لم يؤخذ على سبيل القهر والغلبة حقيقة ، فكان فيئا حقيقة لا غنيمة ، فيوضع موضع الفيء وأما الرهن فعند أبي يوسف يكون للمرتهن بدينه ، والزيادة له وعند محمد - رحمه الله - يباع فيستوفي قدر دينه ، والزيادة في جماعة المسلمين والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية