الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                12380 ( أخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد بن قرقوب التمار بهمذان ، ثنا إبراهيم بن الحسين ، ثنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النصري ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دعاه بعدما ارتفع النهار ، قال : فدخلت عليه ، فإذا هو جالس على رمال سرير ، ليس بينه وبين الرمال فراش ، متكئا على وسادة من أدم ، فقال : يا مالك إنه [ ص: 299 ] قد قدم من قومك أهل أبيات حضروا المدينة ، قد أمرت لهم برضخ ، فاقبضه ، فاقسمه بينهم ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، لو أمرت بذلك غيري ! فقال : اقبضه أيها المرء ، فبينا أنا عنده ، إذ جاء حاجبه يرفأ ، فقال : هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون ، قال : نعم ، فأدخلهم ، فلبث قليلا ، ثم جاءه ، فقال : هل لك في علي والعباس يستأذنان ، قال : نعم ، فأذن لهما ، فلما دخلا قال عباس : يا أمير المؤمنين ، اقض بيني وبين هذا - لعلي - وهما يختصمان في انصراف الذي أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير ، فقال الرهط : يا أمير المؤمنين ، اقض بينهما ، وأرح أحدهما من الآخر ، فقال عمر - رضي الله عنه - : اتئدوا ، أناشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعملون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا نورث ، ما تركنا صدقة - يريد نفسه ؟ قالوا : قد قال ذلك ، فأقبل عمر على علي وعباس - رضي الله عنهما - فقال : أنشدكما بالله ، أتعلمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك ؟ قالا : نعم . قال : فإني أحدثكم عن هذا الأمر ، إن الله كان خص رسوله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره ، فقال الله ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ) وكانت هذه خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوالله ما احتازها دونكم ، ولا استأثرها عليكم ، لقد أعطاكموها وبثها فيكم ، حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي ، فيجعله مجعل مال الله ، فعمل بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حياته ثم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو بكر : فأنا ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبضه أبو بكر ، فعمل فيه بما عمل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنتم حينئذ - وأقبل على علي وعباس - رضي الله عنهما - : تذكران أن أبا بكر - رضي الله عنه - فيه كما تقولان ، والله يعلم أنه فيه لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم توفى الله أبا بكر - رضي الله عنه - فقلت : أنا ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر - رضي الله عنه - فقبضته سنتين من إمارتي ، أعمل فيه بمثل ما عمل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما عمل فيه أبو بكر - رضي الله عنه - وأنتم حينئذ - وأقبل على علي والعباس - رضي الله عنهما - تذكران أني فيه كما تقولان ، والله يعلم أني فيه لصادق راشد تابع للحق ثم جئتماني كلاكما ، وكلمتكما واحدة ، وأمركما جميع ، فجئتني - يعني عباسا - فقلت لكما : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا نورث ، ما تركنا صدقة . فلما بدا لي أن أدفعه إليكما ، قلت : إن شئتما دفعته إليكما ، على أن عليكما عهد الله وميثاقه ، لتعملان فيه بما عمل به فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر - رضي الله عنه - وبما عملت به فيه منذ وليته ، وإلا فلا تكلمان ، فقلتما : ادفعه إلينا بذلك ، فدفعته إليكما ، أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك ، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك ، حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنه فادفعاه إلي فأنا أكفيكماه .

                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                الخدمات العلمية