الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3422 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال وأخبرني ابن المسيب عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الأربعون حديث أبي هريرة إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كسرى ) بكسر الكاف ويجوز الفتح ، وهو لقب لكل من ولي مملكة الفرس ، وقيصر لقب لكل من ولي مملكة الروم ، قال ابن الأعرابي : الكسر أفصح في كسرى ، وكان أبو حاتم يختاره ، وأنكر الزجاج الكسر على ثعلب واحتج بأن النسبة إليه كسروي بالفتح ، ورد عليه ابن فارس بأن النسبة قد يفتح فيها ما هو في الأصل مكسور أو مضموم كما قالوا في بني تغلب بكسر اللام تغلبي بفتحها ، وفي سلمة كذلك ، فليس فيه حجة على تخطئة الكسر ، والله أعلم . وقد استشكل هذا مع بقاء مملكة الفرس لأن آخرهم قتل في زمان عثمان ، واستشكل أيضا مع بقاء مملكة الروم وأجيب عن ذلك بأن المراد لا يبقى كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام ، وهذا منقول عن الشافعي قال : وسبب الحديث أن قريشا كانوا يأتون الشام والعراق تجارا ، [ ص: 724 ] فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهما لدخولهم في الإسلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لهم تطييبا لقلوبهم وتبشيرا لهم بأن ملكهما سيزول عن الإقليمين المذكورين . وقيل : الحكمة في أن قيصر بقي ملكه وإنما ارتفع من الشام وما والاها وكسرى ذهب ملكه أصلا ورأسا أن قيصر لما جاءه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قبله وكاد أن يسلم كما مضى بسط ذلك في أول الكتاب ، وكسرى لما أتاه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم " مزقه فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزق ملكه كل ممزق فكان كذلك . قال الخطابي : معناه فلا قيصر بعده يملك مثل ما يملك ، وذلك أنه كان بالشام وبها بيت المقدس الذي لا يتم للنصارى نسك إلا به ، ولا يملك على الروم أحد إلا كان قد دخله إما سرا وإما جهرا ، فانجلى عنها قيصر واستفتحت خزائنه ولم يخلفه أحد من القياصرة في تلك البلاد بعده ، ووقع في الرواية التي في " باب الحرب خدعة " من كتاب الجهاد هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده ، وليهلكن قيصر قيل : والحكمة فيه أنه قال ذلك لما هلك كسرى بن هرمز كما سيأتي في حديث أبي بكرة في كتاب الأحكام قال : " بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم امرأة " الحديث ، وكان ذلك لما مات شيرويه بن كسرى فأمروا عليهم بنته بوران ، وأما قيصر فعاش إلى زمن عمر سنة عشرين على الصحيح ، وقيل مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والذي حارب المسلمين بالشام ولده وكان يلقب أيضا قيصر ، وعلى كل تقدير فالمراد من الحديث وقع لا محالة لأنهما لم تبق مملكتهما على الوجه الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما قررته . قال القرطبي في الكلام على الرواية التي لفظها إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وعلى الرواية التي لفظها هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده : بين اللفظين بون ، ويمكن الجمع بأن يكون أبو هريرة سمع أحد اللفظين قبل أن يموت كسرى والآخر بعد ذلك ، قال : ويحتمل أن يقع التغاير بالموت والهلاك ، فقوله : " إذا هلك كسرى " أي هلك ملكه وارتفع ، وأما قوله مات كسرى ثم لا يكون كسرى بعده فالمراد به كسرى حقيقة اهـ . ويحتمل أن يكون المراد بقوله " هلك كسرى " تحقق وقوع ذلك حتى عبر عنه بلفظ الماضي وإن كان لم يقع بعد للمبالغة في ذلك كما قال تعالى : أتى أمر الله فلا تستعجلوه وهذا الجمع أولى لأن مخرج الروايتين متحد فحمله على التعدد على خلاف الأصل فلا يصار إليه مع إمكان هذا الجمع ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية