الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          الثالث : خيار الغبن ويثبت في ثلاث صور إحداها : إذا تلقى الركبان ، فاشترى منهم وباع لهم ، فلهم الخيار إذا هبطوا السوق وعلموا أنهم غبنوا غبنا يخرج عن العادة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( الثالث : خيار الغبن ) وهو - بسكون الباء - مصدر غبنه - بفتح الباء - يغبنه - بكسرها - إذا نقصه ، ويقال غبن رأيه - بكسرها - أي : ضعف غبنا - بالتحريك - ( ويثبت في ثلاث صور ؛ أحدها : إذا تلقى الركبان ) جمع راكب ، وهو في الأصل راكب البعير ، ثم اتسع فيه فأطلق على كل راكب ، والمراد هنا القادمون من السفر ، وإن كانوا مشاة ( فاشترى منهم ) اقتصر عليه في الخرقي ، و " المحرر " فيحتمل قصر الحكم عليه ، والمذهب عندنا لا فرق ، كما ذكره المؤلف ( وباع لهم فلهم الخيار إذا هبطوا السوق وعلموا أنهم غبنوا غبنا يخرج عن العادة ) هذا بيع مكروه صحيح في قول الجماهير لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه ، فإذا أتى السوق فهو بالخيار ، رواه مسلم ، وثبوت الخيار لا يكون إلا في صحيح ، والنهي لا يرجع لمعنى البيع ، وإنما يعود لضرب من الخديعة يمكن استدراكه بالخيار أشبه المصراة ، وقوة كلام كثير من الأصحاب يقتضي الحكم بقصد التلقي ، فلو خرج بغير قصد فوافاهم واشترى منهم لم يحرم ذلك ، وهو احتمال في " المغني " و " الشرح " ، وقال القاضي : لا فرق بين القصد وعدمه ، وذكره في " الفروع " المنصوص ، [ ص: 78 ] وذكر في " التلخيص " و " الفروع " أنه لا فرق بين البائع والمشتري في ذلك ، ولكن النص عن أحمد إنما هو في الأخبار فعليه يثبت الخيار مع الغبن ؛ لأنه إنما ثبت لدفع الضرر عن البائع ، ولا ضرر مع الغبن ، وعنه : يثبت لهم الخيار مع عدمه ، وهو ظاهر الخبر ، وقدره بما يخرج عن العادة ؛ لأن الشرع لم يرد بتحديده فيرجع فيه إلى العرف كالقبض ، وظاهر الخرقي يثبت فيه وإن قل ، قاله في " الشرح " ، وفيه شيء ؛ لأن مثل ذلك يتسامح به عادة ، وقال أبو بكر ، وابن أبي موسى ، لأنه كثير ، وقيل : بالسدس ؛ لأن الخيار لو ثبت بأقل من ذلك لأدى إلى بطلان كثير من العقود .

                                                                                                                          فائدة : مقتضى النهي عن تلقي الركبان إما أن يكذب في سعر البلد فيكون غارا غاشا ، أو يسكت فيكون مدلسا خادعا، فلو صدق في السعر فهل يثبت للركبان الخيار لعموم النهي ، أو لا لانتفاء الخديعة ؛ فيه احتمالان .




                                                                                                                          الخدمات العلمية