الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل الثاني : أن من وجد عنده عينا باعها إياه فهو أحق بها بشرط أن يكون المفلس حيا ولم ينقد من ثمنها شيئا ، والسلعة بحالها لم يتلف بعضها ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها كنسج الغزل وخبز الدقيق ، ولم يتعلق بها حق من شفعة ، أو جناية ، أو رهن ونحوه ، ولم تزد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة ، وعنه : أن الزيادة لا تمنع الرجوع فأما الزيادة المنفصلة ، والنقص بهزال ، أو نسيان صنعة ، فلا يمنع الرجوع ، والزيادة للمفلس ، وعنه : للبائع ، وإن صبغ الثوب ، أو قصره لم يمنع الرجوع ، والزيادة للمفلس ، وإن غرس أو بنى فيها فله الرجوع ودفع قيمة الغراس والبناء فيملكهما إلا أن يختار المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص ، فإن أبوا القلع ، وأبى البائع دفع القيمة سقط الرجوع .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( الثاني : أن من وجد عنده عينا باعها إياه فهو أحق بها ) ، روي عن علي ، وعمار ، وأبي هريرة لحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أدرك متاعه عند إنسان أفلس فهو أحق به . متفق عليه قال أحمد : لو أن حاكما حكم أنه أسوة الغرماء ، ثم رفع إلى رجل يرى العمل بالحديث جاز له نقض حكمه ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " ويحتمل أن لا ينقض ، وحينئذ البائع بالخيار بين الرجوع فيها وبين أن يكون أسوة الغرماء وسواء كانت السلعة مساوية لثمنها ، أو لا ، وظاهره لا يفتقر الفسخ إلى حكم حاكم لثبوته بالنص كفسخ المعتقة ، وقيل : بل بناء على تسويغ الاجتهاد ، وهو على التراخي كالرجوع في الهبة ، وقيل : على الفور ، نصره القاضي كخيار الشفعة ، وهما مبنيان على الروايتين في الرد بالعيب . قاله في " الشرح " ، فلو بذل الغرماء الثمن لصاحب السلعة لم يلزمه قبوله ، نص عليه ، فإن دفعوا الثمن إلى المفلس فبذله للبائع لم يكن له الفسخ ، لأنه زال العجز عن تسليم الثمن فزال ملك الفسخ ، كما لو أسقط الغرماء حقهم .

                                                                                                                          [ ص: 314 ] وفيما إذا باعه بعد حجره في ذمته وتعذر الاستيفاء أقوال ثالثها : له خيار الفسخ إذا كان جاهلا به ، وهو ظاهر كلام جماعة ، لأن العالم دخل على بصيرة بخراب الذمة ، كما لو اشترى معيبا يعلم عيبه بخلاف الجاهل ، ويستثنى من ذلك ما إذا كان المبيع صيدا ، والبائع محرم ، فإنه لا يملك الرجوع فيه ، كما لو اشتراه ، وظاهره اختصاص هذا الحكم بالبيع ، وليس كذلك ، فلو اقترض مالا ، ثم أفلس ، وعين المال قائمة ، فله الرجوع فيها ، أو أصدق امرأة عينا ، ثم انفسخ نكاحها بسبب من جهتها يسقط صداقها إن طلقها قبل الدخول فاستحق الرجوع في نصفه ، وقد أفلست ووجد عين ماله فهو أحق به ، وظاهره أنه لا رجوع لورثة البائع لظاهر الخبر ، والأصح أنه يثبت لهم ( بشرط أن يكون المفلس حيا ) إلى أخذها لما روى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ، ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به ، وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء . رواه مالك ، وأبو داود مرسلا ورواه أبو داود مسندا من حديث إسماعيل بن عياش عن الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر عن أبي هريرة قال أبو داود : وحديث مالك أصح ، فعلى هذا : البائع أسوة الغرماء ، سواء علم بفلسه قبل الموت فحجر عليه ، ثم مات ، أو مات ، فتبين فلسه ، ولأن الملك انتقل عن المفلس إلى الورثة ، أشبه ما لو باعه ، وعنه : له الرجوع لما روى عمر بن خلدة قال : أتينا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس ، فقال بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أفلس ، أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو [ ص: 315 ] أحق به . رواه أبو داود ، وجوابه بأنه مجهول الإسناد . قاله ابن المنذر ، وهذا الشرط لم يذكره في " التلخيص " ، و " البلغة " ( ولم ينقد من ثمنها شيئا ) ، ولا أبرئ من بعضه ، فإن كان قد نقد من ثمنها ، أو أبرئ منه فهو أسوة الغرماء ، لأن في الرجوع في قسط ما بقي تبعيضا للصفقة على المشتري وإضرارا له . لا يقال : لا ضرر فيه لكون مال المفلس يباع ، ولا يبقى ، لأن الضرر متحقق مع البيع ، فإنه لا يرغب فيه كالرغبة منفردا فينقص ثمنه فيتضرر المفلس ، والغرماء ، ولأنه سبب يفسخ به البيع ، فلم يجز مع تشقيصه كالرد بالعيب ( والسلعة بحالها لم يتلف بعضها ) للخبر ، فلو ذهب بعض أطراف العبد ، أو عينه ، أو بعض الثوب ، أو انهدم بعض الدار ، أو تلفت الثمرة فيما إذا اشترى شجرا مثمرا لم تظهر ثمرته . قاله في " الشرح " فهو أسوة الغرماء ، لأنه لم يجدها بعينها ، إذ الشارع جعله شرطا في الرجوع ، ولا فرق بين أن يرضى بالموجود بجميع الثمن ، أو يأخذه بقسطه منه ، لأنه فات شرط الرجوع ، فإن باع بعضه ، أو وهبه ، أو وقفه ، أو خلطه بغيره على وجه لا يتميز كزيت بمثله فهو كتلفه ، وظاهره ولو كان المبيع عينين ، وفيه روايتان إحداهما : ونقلها أبو طالب : لا رجوع ، بل هو أسوة الغرماء ، لأنه لم يجد المبيع بعينه ، والثانية : بلى ، نقلها الحسن بن ثواب ، وقدمها في " المحرر " ، لأن السالم من المبيع وجده بعينه فيدخل في العموم ، وحينئذ يأخذ الباقي بقسطه من الثمن ، وعليها يفرق بينها وبين ما إذا قبض بعض الثمن ، لأن المقبوض من الثمن مقسط على المبيع فيقع القبض من ثمن كل واحدة من العينين وقبض شيء من ثمن ما يريد الرجوع فيه مبطل له بخلاف التلف ، فإنه لا يلزم من تلف أحد العينين تلف شيء من العين [ ص: 316 ] الأخرى ( ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها كنسج الغزل وخبز الدقيق ) وجعل الزيت صابونا ، والخشبة بابا ، والشريط إبرا ونحو ذلك ، لأنه لم يجد متاعه بعينه ، فلم يكن له الرجوع كالتلف ، وكما لو كان نوى فنبت شجرا . قاله ابن المنجا ، وفيه شيء ، فإنهم اختلفوا في الحب إذا صار زرعا وبالعكس ، والنوى إذا نبت شجرا ، والبيض إذا صار فراخا فذهب القاضي وصاحب " التلخيص " أنه لا يسقط الرجوع ، لأن الخارج هو نفسه ، والأشهر عندنا أنه لا يملك الرجوع ، كما هو ظاهر كلام المؤلف ، ودخل في كلامه ما لو كان المبيع أمة بكرا فوطئها المشتري أنه لا رجوع له لما ذكرنا ، وفيه وجه : بلى كالرد بالعيب في الأصح . ووطء غيره كهو ( ولم يتعلق بها حق ) للغير ( من شفعة ) ، وجزم به المحققون ، لأن حقه أسبق لكونه ثبت بالبيع ، والبائع حقه ثبت بالحجر ، وما كان أسبق فهو أولى ، وقال ابن حامد : للبائع أخذه لعموم الخبر ، وفي ثالث إن طالب بها فهو أحق لتأكد حقه بالمطالبة ، وإلا فلا ( أو جناية ) ، فإن كان المبيع عبدا فجنى ، ثم أفلس المشتري فالمذهب أن البائع أسوة الغرماء ، لأن الرهن يمنع الرجوع ، وحق الجناية مقدم عليه فأولى أن يمنع ، والثاني : لا يمنع ، لأنه حق يمنع تصرف السيد بالبيع وغيره ، فلا يمنع الرجوع ، كما لو ثبت في ذمته دين ، فعلى هذا يخير إن شاء رجع فيه ناقصا بأرش الجناية ، وإن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء ، وقيل : ما نقص من قيمته رجع بقسطه من ثمنه ( أو رهن ) بغير خلاف نعلمه للخبر ، ولأن المفلس عقد قبل الفلس عقدا منع نفسه من التصرف ، فلم يملك الرجوع ، كما لو وهبه ، ولأن في الرجوع إضرارا بالمرتهن ، والضرر لا يزال بمثله ، فإن كان دين المرتهن دون [ ص: 317 ] قيمة الرهن بيع كله فقضى منه دينه وباقيه يرد على مال المفلس ، فإن بيع بعضه فباقيه يشترك فيه الغرماء ، وقال القاضي : يرجع فيه البائع ، لأنه عين ماله ، فلو كان المبيع عينين فرهن إحداهما ، فهل يملك البائع الرجوع في الأخرى ؛ على وجهين بناء على الروايتين فيما إذا تلفت إحداهما ( ونحوه ) كالعتق .

                                                                                                                          مسألة : إذا أفلس بعد خروجه من ملكه بوقف ونحوه ، فلا رجوع له ، فإن أفلس بعد رجوعه إلى ملكه فأوجه ثالثها : إن عاد إليه بفسخ كإقالة فله الرجوع لا إذا عاد بسبب جديد ، لأنه لم يصل إليه من جهته ، فلو اشتراها ، ثم باعها ، ثم اشتراها فقيل : البائع الأول أولى لسبقه ، وقيل : يقرع ( ولم تزد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة ) هذا اختيار الخرقي ، وقاله في " الإرشاد " ، " و " " الموجز " ، لأن الرجوع فسخ بسبب حادث ، فلم يملك به الرجوع في عين المال الزائد زيادة متصلة كفسخ النكاح بالإعسار ، أو الرضاع .

                                                                                                                          ( وعنه : أن الزيادة لا تمنع الرجوع ) هذا هو المنصوص عن أحمد ، وهو المذهب لعموم الخبر ، ولأنه فسخ لا يمنع منه الزيادة المنفصلة ، فكذا المتصلة كالرد بالعيب ، وفارق الرد هنا الرد بالفسخ بالإعسار ، أو الرضاع من حيث إن الزوج يمكنه الرجوع في قيمة العين فيحصل له حقه تاما وهاهنا لا يمكن البائع الرجوع في جميع الثمن لمزاحمة الغرماء ، فلا يحصل له حقه تاما ونصر في " المغني " ، و " الشرح " الأول .

                                                                                                                          ( فأما الزيادة المنفصلة ) كالولد ، والثمرة ( والنقص بهزال ، أو نسيان صنعة ، فلا [ ص: 318 ] يمنع الرجوع ) بغير خلاف بين أصحابنا . قاله في " الشرح " ، وفيه شيء ، لأن البائع وجد عين ماله فكان أحق به بخلاف المتصلة ، وقيل : يمنع ، وحكاه في " الموجز " ، و " التبصرة " رواية كالمتصلة ، وعلى الأول لا فرق بين أن ينقص بالزيادة ، أو لا إذا كان على صفته ( والزيادة للمفلس ) في ظاهر الخرقي ، وقاله القاضي ، وابن حامد ، وصححه في " المغني " ، و " الشرح " ، وجزم به في " الوجيز " ، لأنها زيادة حصلت في ملكه فكانت له ، يؤيده " الخراج بالضمان " ( وعنه : للبائع ) ، نص عليه ، وهو الأشهر ، لأنها زيادة فكانت للبائع كالمتصلة وحكاه في " المغني " قولا لأبي بكر ، وأنه أخذه من قول أحمد في ولد الجارية ، ونتاج الدابة ، وقياسهم على المتصلة غير صحيح ، لأنه يتبع في الفسوخ ، والرد بالعيب بخلاف المنفصلة ، قال في " المغني " : ولا ينبغي أن يقع في هذا خلاف لظهوره ، وأما نقص المال بذهاب صفة مع بقاء عينه ، فلا يمنع ، لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين ماله ، لكن يتخير بين أخذه ناقصا بجميع حقه ، وبين أن يضرب مع الغرماء بكمال ثمنه ، لأن الثمن لا يتقسط على صفة السلعة من سمن وهزال ، وعلم ونحوه ، فيصير كنقصه لتغير الأسعار .

                                                                                                                          ( وإن صبغ الثوب ، أو قصره ) أو لت السويق بزيت ( لم يمنع الرجوع ) ، ذكره الأصحاب ، لأن العين قائمة مشاهدة لم يتغير اسمها ، ولا صفتها ( والزيادة للمفلس ) ، لأنها حصلت بفعله في ملكه فيكون شريكا للبائع بما زاد عن قيمة الثوب ، والسويق ، وإن حصل نقص ، فعلى المفلس ، لكن إن نقصت قيمتها فيخير البائع بين أخذهما ناقصين ، ولا شيء له وبين تركهما ، وهو أسوة الغرماء [ ص: 319 ] لأن هذا نقص صفته فهو كالهزال ، وقيل : لا رجوع إن زادت القيمة ، لأنه اتصل بالمبيع زيادة للمفلس فمنعت الرجوع كالسمن . وحاصله إذا قصر الثوب لم يخل من حالين أحدهما : أن لا تزيد قيمته بذلك فللبائع الرجوع ، والثاني : أن تزيد قيمته به فظاهر الخرقي أنه لا يملك الرجوع ، لأنه زاد زيادة لا تتميز فهي كالسمن ، وقال القاضي ، وأصحابه : له الرجوع ، لأنه أدرك متاعه بعينه ، فعلى هذا إن كانت القصارة بفعل المفلس ، أو بأجرة وفاها فهما شريكان في الثوب ، فإن اختار البائع دفع قيمة الزيادة إلى المفلس لزمه قبولها ، لأنه يتخلص بذلك من ضرر الشركة ، أشبه ما لو دفع الشفيع قيمة البناء إلى المشتري ، وإن لم يختر بيع الثوب وأخذ كل واحد بقدر حقه ، فلو كان قيمة الثوب خمسة فصار يساوي ستة فللمفلس سدسه وللبائع خمسة أسداسه ، وإن كان العمل من صانع لم يستوف أجره فله حبس الثوب على استيفاء أجرته اقتصر عليه في " الشرح " .

                                                                                                                          ( وإن غرس ) المفلس الأرض ( أو بنى فيها فله ) أي : للبائع ( الرجوع ) هذا هو الأصح قبل قلع غرس ، أو بناء ، لأنه أدرك متاعه بعينه ومال المشتري دخل على وجه التبع كالصبغ ( ودفع قيمة الغراس ، والبناء فيملكهما ) ، لأنهما حصلا في ملكه لغيره بحق ، فكان له أخذه بقيمته كالشفيع ويملك البائع قلعه وضمان نقصه كالمعير إذا رجع في أرضه بعد غرس المستعير ، والثاني : لا يملك الرجوع إلا بعد القلع ، لأنه غرس المفلس وبناؤه ، فلم يجبر على بيعه لهذا البائع ، ولا على قلعه ، كما لو لم يرجع في الأرض ، وعلى الأول لو قلعه المفلس ، والغرماء لزمهم [ ص: 320 ] تسوية الأرض ، وأرش نقصها الحاصل به ويضرب بالنقص مع الغرماء ، وعلى الثاني : لا ( إلا أن يختار المفلس ، والغرماء القلع ومشاركته بالنقص ) ، لأن البائع لا حق له في الغراس ، والبناء ، فلا يملك إجبار مالكهما على المعاوضة ، فعلى هذا يرجع في أرضه ويضرب مع الغرماء بأرش نقصها ، لأن ذلك نقص حصل لتخليص ملك المفلس فكان عليه ، كما لو دخل فصيل دارا فكبر ، ولم يمكن إخراجه إلا بالانهدام ( فإن أبوا القلع ، وأبى البائع دفع القيمة سقط الرجوع ) في الأصح لما فيه من الضرر على المشتري ، والغرماء ، والضرر لا يزال بمثله ، ولأن عين مال البائع صارت مشغولة بملك غيره فسقط حقه من الرجوع ، كما لو كان مسامير فسمر بها بابا ، أو خشبة فبنى عليها دارا ، وظاهره أنهم إذا امتنعوا من القلع لم يجبروا لوضعه بحق ، وقال القاضي : له الرجوع ، لأنه أدرك متاعه بعينه وكالثوب إذا صبغه ، وجوابه المنع ، ولو سلم فيفرق بينهما من حيث إن الصبغ يفرق في الثوب فصار كالصفة بخلاف الغراس ، والبناء ، فإنها أعيان متميزة وبأن الثوب لا يراد للبقاء بخلاف الأرض ، فعلى قوله : إذا رجع في الأرض بقي الغراس ، والبناء للمفلس ، فإن اتفق الجميع على البيع بيعت الأرض بما فيها وأخذ كل واحد قدر حصته ، وقيل : يباع الغرس مفردا ، وعلى الأول يقسم الثمن على قدر القيمتين فتقوم الأرض خالية ، ثم تقوم وهما بها فقيمة الأرض خالية للبائع ، والزيادة للمفلس والغرماء .

                                                                                                                          تنبيه : شرط بعض أصحابنا أيضا أن يكون الثمن حالا ، فإن كان مؤجلا ، فلا رجوع للبائع . قاله أبو بكر وصاحب " التلخيص " فيه لعدم تمكنه من [ ص: 321 ] المطالبة ، وظاهر كلامه هنا ، وقاله الأكثر أن هذا ليس بشرط ، والمنصوص أنه يوقف إلى الأجل ، ثم يعطاه ، وقال ابن أبي موسى : له أخذه في الحال ومحل الرجوع إذا استمر العجز عن أخذ الثمن ، فإن تجدد للمفلس مال بعد الحجر وقبل الرجوع ، فلا رجوع إذن .

                                                                                                                          مسائل : الأولى : لو اشترى أرضا فزرعها ، ثم أفلس يقر الزرع لربه مجانا إلى الحصاد ، فإن اتفق المفلس ، والغرماء على الترك ، أو القطع جاز ، وإن اختلفوا وله قيمة بعد القطع قدم قول من يطلبه .

                                                                                                                          الثانية : إذا اشترى نخلا فأطلع ، ثم أفلس قبل التأبير فالطلع زيادة متصلة في الأصح ، وإن كان بعده فمنفصلة وحكم الشجر كذلك .

                                                                                                                          الثالثة : إذا اشترى غراسا فغرسه في أرضه ، ثم أفلس ، ولم تزد الغراس فله الرجوع فيه ، فإن أخذه لزمه تسوية الأرض ، وأرش نقصها ، فإن بذل الغرماء والمفلس له القيمة لم يجبر على قبولها ، وإن امتنع من القلع فبذلوا القيمة له ليملكه المفلس ، أو أرادوا قلعه وضمان النقص فلهم ذلك ، وكذا لو أرادوا قلعه من غير ضمان النقص في الأصح .

                                                                                                                          الرابعة : إذا اشترى أرضا من شخص وغراسا من آخر وغرسه فيها ، ثم أفلس ، ولم يزد فلكل الرجوع في عين ماله ولصاحب الأرض قلع الغراس من غير ضمان ، فإن قلعه بائعه لزمه تسوية الأرض ، وأرش نقصها الحاصل به [ ص: 322 ] فإن بذل صاحب الغراس قيمة الأرض لصاحبها لم يجبر على ذلك ، وفي العكس إذا امتنع من القلع له ذلك في الأصح .

                                                                                                                          الخامسة : رجوع البائع فسخ للبيع لا يحتاج إلى معرفة المبيع ، ولا إلى القدرة على تسليمه ، فلو رجع بثمن آبق ، صح وصار له ، فإن قدر أخذه ، وإن تلف فمن ماله ، وإن بان تلفه حين استرجعه بطل استرجاعه ، وإن رجع في مبيع اشتبه بغيره قدم تعيين المفلس لإنكاره دعوى استحقاق البائع ، وإن مات بائع مدينا فمشتر أحق بطعام وغيره ولو قبل قبضه ، نص عليه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية