الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وقال ابن أبي ليلى إذا كفل رجل لرجل بدين له على آخر فليس للطالب أن يأخذ الأصل بالمال ما لم يتو على الكفيل وإن كان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه أخذ به أيهما شاء وقد بينا هذه المسألة في كتاب الكفالة أن الكفالة عندنا لا توجب براءة الأصيل وللطالب أن يأخذ أيهما شاء وعنده مطلق الكفالة بمنزلة الحوالة فإنما يطالب الكفيل بالمال ولا يطالب الأصيل ما لم يتو المال على الكفيل إلا أن يشترط أن يكون كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه فحينئذ يطالب أيهما شاء بالمال لمكان الشرط وبعد ما طالب أحدهما له أن يطالب الآخر وعلى قول ابن شبرمة إذا اشترط [ ص: 147 ] هذا الشرط ثم طالب أحدهما فليس له أن يطالب الآخر بعد ذلك ، ويجعل اختياره مطالبة أحدهما إبراء للآخر بمنزلة الغاصب مع صاحب المغصوب إلا أن يشترط أن يؤاخذهما جميعا فحينئذ بعد ما طالب أحدهما له أن يطالب الآخر ، قال : وقد قال بعض مشايخنا أيضا وقيل هو شريك بن عبد الله إن شرط هذه الزيادة ثم اختار أحدهما لم يكن له أن يعود على الآخر إلا أن يفلس هذا ، أو يموت ولا يترك شيئا وقد بينا وجوه هذه الأقاويل في كتاب الكفالة فإن محمدا ذكر هناك صكا يشتمل على هذه الشرائط وقد بينا أنه إنما شرط هذه الزيادات للتحرز من هذه الأقاويل في كتاب الكفالة قال :

وكان ابن أبي ليلى لا يجوز الضمان بشيء مجهول غير مسمى كقوله ما كان لك عليه من حق فهو علي أو ما قضى لك القاضي عليه فهو علي لأنه يلزم المال بعقد معتمد تمام الرضا فمع الجهالة المتفاحشة لا يصح التزامه بمنزلة الالتزام بسائر المعاوضات وبيان الجهالة المتفاحشة هنا أنه مجهول الجنس والقدر والصفة ولا جهالة أبلغ من هذا ولكنا نقول الجهالة هنا لا تمنع صحة الالتزام ولكنها جهالة تفضي إلى المنازعة وهذه الجهالة لا تفضي إلى تمكن المنازعة فإن الطالب لا يطالب الكفيل إلا بما ثبت له على الأصيل ولا تتمكن المنازعة بعد ما ثبت له الحق على الأصيل بالحجة أو بعد ما قضى القاضي به عليه ثم الالتزام بالكفالة بمنزلة الالتزام بالإقرار فإنه ليس بمقابلة عوض يجب للكفيل على الطالب وجهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار فكذلك جهالة المكفول به ثم ذكر مسألة الكفالة عن الميت المفلس وبينا أن قول ابن أبي ليلى فيه كقول أبي يوسف ومحمد رحمهم الله وقد بيناها وقال : على قول أبي حنيفة إن كان ترك الأصيل شيئا ضمن الكفيل بقدر ما ترك لأن صحة الضمان عنده باعتبار الوفاء على معنى أنه يجعل المال خلفا عن الذمة في بقاء الواجب باعتباره لأن المال محل صالح لقضاء الدين منه والوجوب غير مطلوب لعينه بل للاستيفاء فإن ما بقي من المال في ذمة الأصيل بقدر ما يصلح أن يكون تركة خلفا وصحة الكفالة باعتبار بقاء المال في ذمة الأصيل في أحكام الدنيا فلهذا لا يصح ضمانه إلا بقدر تركة الأصيل

التالي السابق


الخدمات العلمية