الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2668 ) الفصل الرابع ، أن الجزاء لا يجب إلا بقتل الصيد ; لأنه الذي ورد به النص بقوله تعالى : { لا تقتلوا الصيد } . والصيد ما جمع ثلاثة أشياء ، وهو أن يكون مباحا أكله ، لا مالك له ، ممتنعا . فيخرج بالوصف الأول كل ما ليس بمأكول لا جزاء فيه ، كسباع البهائم ، والمستخبث من الحشرات ، والطير ، وسائر المحرمات . قال أحمد : إنما جعلت الكفارة في الصيد المحلل أكله .

                                                                                                                                            وقال : كل ما يؤذي إذا أصابه المحرم يؤكل لحمه . وهذا [ ص: 267 ] قول أكثر أهل العلم ، إلا أنهم أوجبوا الجزاء في المتولد بين المأكول وغيره ، كالسبع المتولد من الضبع والذئب ، تغليبا لتحريم ، قتله ، كما علقوا التحريم في أكله . وقال بعض أصحابنا : في أم حبين جدي . وأم حبين : دابة منتفخة البطن .

                                                                                                                                            وهذا خلاف القياس ; فإن أم حبين لا تؤكل ، لكونها مستخبثة عند العرب . حكي أن رجلا من العرب سئل ما تأكلون ؟ قال : ما دب ودرج ، إلا أم حبين . فقال السائل : ليهن أم حبين العافية . وإنما تبعوا فيها قضية عثمان رضي الله عنه فإنه قضى فيها بحلان ، وهو الجدي . والصحيح أنه لا شيء فيها .

                                                                                                                                            وفي القمل روايتان ، ذكرناهما فيما مضى والصحيح ، أنه لا شيء فيه ; لأنه غير مأكول ، وهو من المؤذيات ، ولا مثل له ولا قيمة . قال ميمون بن مهران : كنت عند عبد الله بن عباس ، فسأله رجل ، فقال : أخذت قملة فألقيتها ، ثم طلبتها فلم أجدها . فقال ابن عباس : تلك ضالة لا تبتغي .

                                                                                                                                            وقال القاضي : إنما الروايتان فيما أزاله من شعره ، فأما ما ألقاه من ظاهر بدنه أو ثوبه ، فلا شيء عليه ، رواية واحدة . ومن أوجب فيه الجزاء قال : أي شيء تصدق به فهو خير . واختلفت الرواية في الثعلب ، فعنه : فيه الجزاء . وبه قال طاوس ، وقتادة ، ومالك ، والشافعي . وقال : هو صيد يؤكل ، وفيه الجزاء .

                                                                                                                                            وعن أحمد : لا شيء فيه . وهو قول الزهري ، وعمرو بن دينار ، وابن أبي نجيح ، وابن المنذر . واختلف فيه عن عطاء ; لأنه سبع ، وقد { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع } . وإذا أوجبنا فيه الجزاء ، ففيه شاة ; لأنه روي ذلك عن عطاء . واختلفت الرواية في السنور ، أهليا كان أو وحشيا والصحيح أنه لا جزاء فيه . وهو اختيار القاضي ; لأنه سبع ، وليس بمأكول .

                                                                                                                                            وقال الثوري ، وإسحاق : في الوحشي حكومة ، ولا شيء في الأهلي ; لأن الصيد ما كان وحشيا . واختلفت الرواية في الهدهد والصرد ; لاختلاف الروايتين في إباحتهما ، وكل ما اختلف في إباحته يختلف في جزائه ، فأما ما يحرم ، فالصحيح أنه لا جزاء فيه ; لأنه مخالف للقياس ، ولا نص فيه . الوصف الثاني ، أن يكون وحشيا ، وما ليس بوحشي لا يحرم على المحرم ذبحه ولا أكله ، كبهيمة الأنعام كلها ، والخيل ، والدجاج ، ونحوها . لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافا ، والاعتبار في ذلك بالأصل . لا بالحال ، فلو استأنس الوحشي وجب فيه الجزاء ، وكذلك وجب الجزاء في الحمام أهليه ووحشيه ، اعتبارا بأصله .

                                                                                                                                            ولو توحش الأهلي لم يجب فيه شيء . قال أحمد ، في بقرة صارت وحشية : لا شيء فيها ; لأن الأصل فيها الإنسي . وإن تولد من الوحشي والأهلي ولد ، ففيه الجزاء ، تغليبا للتحريم ، كقولنا في المتولد بين المباح والمحرم . واختلفت الرواية في الدجاج السندي ، هل فيه جزاء ؟ على روايتين . وروى مهنا ، عن أحمد ، في البط ، يذبحه المحرم إذا لم يكن صيدا . والصحيح أنه يحرم عليه ذبحه ، وفيه الجزاء ; لأن الأصل فيه الوحشي ، فهو كالحمام .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية