الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1532 [ 793 ] وعن عبد الله بن عمر قال : اشتكى سعد بن عبادة شكوى له ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود ، فلما دخل عليه وجده في غشية ، فقال : أقد قضى ؟ قالوا : لا ، يا رسول الله ! فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى القوم بكاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكوا ، فقال : ألا تسمعون ! إن الله لا يعذب بدمع العين ، ولا بحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم .

                                                                                              رواه البخاري (1304) ، ومسلم (924) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله : فوجده في غشية ، روايتنا فيه بسكون الشين وتخفيف الياء ، وقد رواه جماعة من الشيوخ بكسر الشين وتشديد الياء . وقال الحافظ أبو الحسن : لا فرق بينهما ، هما واحد ، يريد من الغشاوة . ورواه البخاري : في غاشية ، قال : ويحتمل وجهين : من يغشاه من الناس ، أو ما يغشاه من الكرب .

                                                                                              وقوله : أقد قضى ؟ أي : مات .

                                                                                              وقوله : إن الله لا يعذب بدمع العين ، ولا بحزن القلب : يدل على أن البكاء الذي لا يصحبه صوت ولا نياحة جائز ، قبل الموت وبعده ، بل قد يقال فيه : إنه مندوب إليه ; لأنه قد قال فيه : إنه رحمة ، والرحمة مندوب إليها . فأما النياحة التي كانت الجاهلية تفعلها ; من تعديد خصال الميت ، والثناء عليه بما كان فيه من [ ص: 577 ] الخصال الدنيوية والمذمومة ، والصراخ الذي يخرجه الجزع المفضي إلى السخط والعبث ; من ضرب الخدود ، وشق الجيوب ، فكل ذلك محرم ، من أعمال الجاهلية ، ولا يختلف فيه . فأما بكاء وصراخ لا يكون معه شيء من ذلك فهو جائز قبل الموت ، مكروه بعده . أما جوازه فبدليل حديث جابر بن عقبة الذي خرجه مالك ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبد الله بن ثابت ، فوجده قد غلب عليه ، فصاح به ، فلم يجبه ، فاسترجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : غلبنا عليك أبا الربيع . فصاح النسوة وبكين ، فجعل جابر يسكتهن ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دعهن ، فإذا وجب فلا تبكين باكية . ووجه الاستدلال : أنه - صلى الله عليه وسلم - أقرهن على البكاء والصياح قبل الموت ، وأمر بتركهن على ذلك . وإنما قلنا : إنه مكروه بعد الموت ليس بمحرم ; لما في حديث جعفر من بكائهن بعد الموت ، وإعلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ونهيهن عنه ، فلما لم ينكففن ، قال للمبلغ : احث في أفواههن التراب . ولم يبالغ في الإنكار عليهن ، ولا زجرهن ، ولا ذمهن ، ولو كان ذلك محرما لفعل كل ذلك . والله أعلم .

                                                                                              وبهذا الذي قررناه يرتفع الاختلاف بين ظواهر الأحاديث التي في هذا الباب ، ويصح جمعها ، فتمسك به ، فإنه حسن جدا ، وهو الصواب - إن شاء الله تعالى - .




                                                                                              الخدمات العلمية