الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              948 [ 490 ] وعن أبي قتادة قال : بينما نحن نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمع جلبة فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : استعجلنا إلى الصلاة . قال : فلا تفعلوا ، إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما سبقكم فأتموا .

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 460)، والبخاري (635)، ومسلم (603) .

                                                                                              [ ص: 219 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 219 ] (62) ومن باب : إتيان الصلاة بالسكينة

                                                                                              قوله : إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ، أصل السعي : الجري ، ومنه قوله تعالى : يأتينك سعيا [ البقرة : 260 ] وقد يكون السعي : العمل ; كقوله تعالى : وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها [ البقرة : 205] وعلى هذا الثاني حمل مالك قوله تعالى : فاسعوا إلى ذكر الله [ الجمعة :9 ] وقد اختلف العلماء فيمن سمع الإقامة : هل يسرع أو لا ؟ فذهب الأكثر إلى أنه لا يسرع ، وإن خاف فوت الركعة ; تمسكا بهذا الحديث ، ونظرا إلى المعنى ; وذلك أنه إذا أسرع انبهر فتشوش عليه دخوله في الصلاة وقراءتها وخشوعها . وذهب جماعة من السلف ، [ ص: 220 ] منهم : ابن عمر وابن مسعود في أحد قوليه : إلى أنه إذا خاف فواتها أسرع . وقال إسحاق : يسرع إذا خاف فوت الركعة . وروي عن مالك نحوه ، وقال : لا بأس لمن كان على فرس أن يحرك الفرس . وتأوله بعضهم على الفرق بين الراكب والماشي ; لأن الراكب لا ينبهر كما ينبهر الماشي ، والقول الأول أظهر .

                                                                                              وقوله : " وائتوها تمشون عليكم السكينة " : بنصب السكينة على الإغراء ، كأنه قال : الزموا السكينة ، والسكينة والوقار : اسمان لمسمى واحد ; لأن السكينة : من السكون ، والوقار : من الاستقرار والتثاقل ، وهما بمعنى واحد . وقد علل ملازمة الوقار : بأن الماشي إلى الصلاة هو في الصلاة . ومعناه : أنه لما خرج من بيته إلى المسجد يريد الصلاة كان له حكم الداخل في الصلاة من الوقار حتى يتم له التشبه به ، فيتحصل له ثوابه . وفي كتاب أبي داود من حديث أبي هريرة مرفوعا : من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم جاء إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا ; أعطاه الله من الأجر مثل أجر من حضرها وصلاها ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا .

                                                                                              وقوله : " ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا " ، وفي الرواية الأخرى : صل ما أدركت ، واقض ما سبقك ، واختلف العلماء في الإتمام والقضاء المذكورين في هذا الحديث ; هل هما بمعنى واحد ؟ أو بمعنيين ؟ ويترتب على [ ص: 221 ] هذا الخلاف خلاف ، فيما يدركه الداخل : هل هو أول صلاته ؟ أو آخرها ؟ على ثلاثة أقوال :

                                                                                              أحدها : أنه أول صلاته ، وأنه يكون بانيا عليه في الأفعال والأقوال ، وإليه صار جمهور السلف ، والعلماء ، الشافعي وغيره .

                                                                                              وثانيها : أنه آخر صلاته ، وأنه يكون قاضيا في الأقوال والأفعال ، وهو مذهب أبي حنيفة . قال أبو محمد عبد الوهاب : وهو مشهور مذهب مالك .

                                                                                              وثالثها : أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال ، فيبني عليها ، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال ، فيقضيها ، وكأن هذا جمع بين الخبرين . وهذه الأقوال الثلاثة مروية عن مالك وأصحابه . وسبب الخلاف ما أشرنا إليه . فتفهم .




                                                                                              الخدمات العلمية