الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8814 ) فصل : وإذا كان العبد بين شريكين ، فكاتباه بمائة ، فادعى دفعها إليهما ، وصدقاه ، عتق ، فإن أنكر ، أو لم تكن بينة ، فالقول قولهما مع أيمانهما . وإن أقر أحدهما ، وأنكر الآخر ، عتق نصيب المقر ، وأما المنكر ، فعلى قول الخرقي ، تقبل شهادة شريكه عليه ، إذا كان عدلا ، فيحلف العبد مع شهادته ، ويصير حرا ، ويرجع المنكر على الشاهد ، فيشاركه فيما أخذه . وأما القياس فيقتضي أن لا تسمع شهادة شريكه عليه ; لأنه يدفع بشهادته عن نفسه مغرما ، والقول قول سيده مع يمينه ، فإذا حلف ، فله مطالبة شريكه بنصف ما اعترف به ، وهو خمسة وعشرون ; لأن ما قبضه كسب العبد ، وهو مشترك بينهما . فإن قيل : فالمنكر ينكر قبض شريكه ، فكيف يرجع عليه ؟ قلنا : إنما ينكر قبض نفسه ، وشريكه مقر بالقبض ، ويجوز أن يكون قد قبض ، فلم يعلم به ، وإذا أقر بمتصور ، لزمه حكم إقراره ، ومن حكمه جواز رجوع شريكه عليه .

                                                                                                                                            فإن قيل : لو كان عليه دين لاثنين ، فوفى أحدهما ، لم يرجع الآخر على شريكه فلم يرجع هاهنا ؟ قلنا : إن كان الدين ثابتا بسبب واحد ، فما قبض أحدهما منه ، يرجع الآخر عليه به ، كمسألتنا ، وعلى أن هذا يفارق الدين ; لكون الدين لا يتعلق بما في يد الغريم ، إنما يتعلق بذمته فحسب ، والسيد يتعلق حقه بما في يد المكاتب ، فلا يدفع شيئا منه إلى أحدهما ، إلا كان حق الآخر ثابتا فيه . إذا ثبت هذا ، فإنه إن رجع على العبد بخمسين ، استقر ملك الشريك فيه على ما أخذه ، ولم يرجع العبد عليه بشيء ; لأنه إنما قبض حقه . وإن رجع على الشريك ، رجع عليه بخمسة وعشرين ، وعلى العبد بخمسة وعشرين ، ولم يرجع أحدهما على الآخر بما أخذ منه ; لما ذكرنا من قبل . وإن عجز العبد عن أداء ما يرجع به عليه ، فله تعجيزه واسترقاقه ، ويكون نصفه حرا ، ونصفه رقيقا ، ورجع على الشريك بنصف ما أخذه ، ولا تسري الحرية فيه ; لأن الشريك والعبد يعتقدان أن الحرية ثابتة في جميعه ، وأن هذا المنكر غاصب لهذا النصف الذي استرقه ، ظالم باسترقاقه ، والمنكر يدعي رق العبد جميعه ، ولا يعترف بحرية شيء منه ; لأنه يزعم أني ما قبضت [ ص: 395 ] نصيبي من كتابته ، وشريكي إن قبض شيئا استحق نصفه بغير إذني ، فلا يعتق شيء منه بهذا القبض . وسراية العتق ممتنعة على كلا القولين ; لأن السراية إنما تكون فيما إذا عتق بعضه وبقي بعضه رقيقا ، وجميعهم يتفقون على خلاف ذلك . وهذا المنصوص عن الشافعي . رضي الله عنه

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية