الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          بيان معان في وصف اللفظ كقولهم: " لفظ متمكن غير قلق"

                          540- فمن أقرب ذلك أنك تراهم يقولون إذا هم تكلموا في مزية كلام على كلام : إن ذلك يكون بجزالة اللفظ " . وإذا تكلموا في زيادة نظم على نظم : " إن ذلك يكون لوقوعه على طريقة مخصوصة وعلى وجه دون وجه " . ثم لا تجدهم يفسرون الجزالة بشيء، ويقولون في المراد " بالطريقة " و " الوجه " ما يحلى منه السامع بطائل . ويقرأون في كتب البلغاء ضروب كلام قد وصفوا " اللفظ " فيها بأوصاف يعلم ضرورة أنها لا ترجع إليه من حيث هو لفظ ونطق لسان وصدى حرف، كقولهم : لفظ متمكن غير قلق ولا ناب به موضعه ، وإنه جيد السبك صحيح الطابع ، وأنه ليس فيه فضل عن معناه . وكقولهم : " إن من حق اللفظ أن يكون طبقا للمعنى، لا يزيد عليه ولا ينقص عنه " وكقول بعض من وصف رجلا من البلغاء : " كانت ألفاظه قوالب لمعانيه " . هذا إذا مدحوه - وقولهم إذا ذموه : هو لفظ معقد، وإنه بتعقيده قد استهلك المعنى " وأشباه لهذا ، ثم لا يخطر ببالهم أنه يجب أن [ ص: 457 ] يطلب لما قالوه معنى، وتعلم له فائدة، ويجشم فيه فكر، وأن يعتقد على الجملة أقل ما في الباب، أنه كلام لا يصح حمله على ظاهره ، وأن يكون المراد " باللفظ " فيه نطق اللسان .

                          فالوصف بالتمكن والقلق في " اللفظ " محال ، فإنما يتمكن الشيء ويقلق إذا كان شيئا يثبت في مكان . و " الألفاظ " حروف لا يوجد منها حرف حتى يعدم الذي كان قبله .



                          وقولهم : " متمكن " أو " قلق " وصف للكلمة بأسرها، لا حرف حرف منها .

                          ثم إنه لو كان يصح في حروف الكلمة أن تكون باقية بمجموعها لكان ذلك فيها محالا أيضا، من حيث إن الشيء إنما يتمكن ويقلق في مكانه الذي يوجد فيه ، ومكان الحروف إنما هو الحلق والفم واللسان والشفتان، فلو كان يصح عليها أن توصف بأنها تتمكن وتقلق " لكان يكون ذلك التمكن وذلك القلق منها في إمكانها من الحلق والفم واللسان والشفتين .

                          وكذلك قولهم : " لفظ ليس فيه فضل عن معناه " محال أن يكون المراد به " اللفظ " لأنه ليس هاهنا اسم أو فعل أو حرف يزيد على معناه أو ينقص عنه . كيف؟ وليس بالذرع وضعت الألفاظ على المعاني.

                          وإن اعتبرنا المعاني المستفادة من الجمل، فكذلك . وذلك أنه ليس هاهنا جملة من مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل يحصل بها الإثبات أو النفي، أتم أو أنقص مما يحصل بأخرى . وإنما فضل اللفظ عن المعنى أن تزيد الدلالة بمعنى على معنى، فتدخل في أثناء ذلك شيئا لا حاجة بالمعنى المدلول عليه إليه .

                          [ ص: 458 ]

                          وكذلك السبيل في " السبك والطابع " وأشباههما لا يحتمل شيء من ذلك أن يكون المراد به " اللفظ " من حيث هو لفظ .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية