الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          الرد على المعتزلة في مسألة اللفظ

                          537- واعلم أنه إذا نظر العاقل إلى هذه الأدلة فرأى ظهورها، استبعد أن يكون قد ظن ظان في " الفصاحة " أنها من صفة اللفظ صريحا . ولعمري إنه لكذلك ينبغي، إلا أنا ننظر إلى جدهم وتشددهم وبتهم الحكم " بأن المعاني لا تتزايد وإنما تتزايد الألفاظ " . فلئن كانوا قد قالوا " الألفاظ " وهم لا يريدونها أنفسها " وإنما يريدون لطائف معان تفهم منها، لقد كان ينبغي أن يتبعوا ذلك من قولهم ما ينبئ عن غرضهم، وأن يذكروا أنهم عنوا بألفاظ ضربا من المعنى، وأن غرضهم مفهوم خاص .

                          538- هذا وأمر " النظم " في أنه ليس شيئا غير توخي معاني النحو فيما بين الكلم " وأنك ترتب المعاني أولا في نفسك ثم تحذو على ترتيبها الألفاظ في نطقك ، وأنا لو فرضنا أن تخلو الألفاظ من المعاني، لم يتصور أن يجب فيها نظم وترتيب في غاية القوة والظهور ، ثم ترى الذين لهجوا بأمر " اللفظ " قد أبوا إلا أن يجعلوا " النظم " في الألفاظ . ترى الرجل منهم يرى ويعلم أن الإنسان لا يستطيع أن يجيء بالألفاظ مرتبة إلا من بعد أن يفكر في [ ص: 455 ] المعاني ويرتبها في نفسه على ما أعلمناك ثم تفتشه فتراه لا يعرف الأمر بحقيقته، وتراه ينظر إلى حال السامع ، فإذا رأى المعاني لا تقع مرتبة في نفسه إلا من بعد أن تقع الألفاظ مرتبة في سمعه، نسي حال نفسه، واعتبر حال من يسمع منه . وسبب ذلك قصر الهمة وضعف العناية وترك النظر والأنس بالتقليد . وما يغني وضوح الدلالة مع من لا ينظر فيها . وإن الصبح ليملأ الأفق ثم لا يراه النائم ومن قد أطبق جفنه ؟

                          كلام العلماء في الفصاحة أكثره كالرمز والتعريض دون التصريح

                          539- واعلم أنك لا ترى في الدنيا علما قد جرى الأمر فيه بديئا وأخيرا على ما جرى عليه في " علم الفصاحة والبيان " .

                          أما البديء فهو أنك لا ترى نوعا من أنواع العلوم إلا وإذا تأملت كلام الأولين الذين علموا الناس وجدت العبارة فيه أكثر من الإشارة، والتصريح أغلب من التلويح . والأمر في " علم الفصاحة " بالضد من هذا: فإنك إذا قرأت ما قاله العلماء فيه، وجدت جله أو كله رمزا ووحيا، وكناية وتعريضا، وإيماء إلى الغرض من وجه لا يفطن له إلا من غلغل الفكر وأدق النظر ، ومن يرجع من طبعه إلى ألمعية يقوى معها على الغامض ويصل بها إلى الخفي، حتى كان بسلا حراما أن تتجلى معانيهم سافرة الأوجه لا نقاب لها، وبادية الصفحة لا حجاب دونها . وحتى كأن الإفصاح بها حرام، وذكرها إلا على سبيل الكناية والتعريض غير سائغ .

                          [ ص: 456 ]

                          وأما الأخير فهو أنا لم نر العقلاء قد رضوا من أنفسهم في شيء من العلوم أن يحفظوا كلاما للأولين ويتدارسوه ويكلم به بعضهم بعضا من غير أن يعرفوا له معنى، ويقفوا منه على غرض صحيح، ويكون عندهم - إن يسألوا عنه - بيان له وتفسير إلا " علم الفصاحة " فإنك ترى طبقات من الناس يتداولون فيما بينهم ألفاظا للقدماء وعبارات، من غير أن يعرفوا لها معنى أصلا أو يستطيعوا إن يسألوا عنها أن يذكروا لها تفسيرا يصح .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية