الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              - الركون إلى الظلمة:

              الركون إلى الظلمة هو الاعتماد عليهم في تحقيق بعض المكاسب الدنيوية الفانية، وهذا يعني مداهنتهم وتزيين ظلمهم والرضا عنه، ومن يوافق الظالم على ظلمه فهو شريكه في ظلمه، ومن يعين الظالم على الظلم فهو مثله، قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( من أعان على خصومة بظلم أو يعين على ظلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع ) [1] ، لذلك حذر القرآن الكريم من الركون إلى [ ص: 71 ] الظلمة، قال تعالى: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ) (هود:113).

              لكن يجب ألا يسكت أو يوافق أو يرضى الأفراد والجماعات عن الظلم، الذي يمارسه الآخرون، ولا يجوز أن يستمرأ ذلك منهم، لذلك يعد عدم ردع الظالم عن ظلمه من أهم صور الركون إلى الظلمة، وهذا الركون إلى الظلم يخالف مقاصد الشرع الحكيم؛ لأن ذلك يؤدي إلى استشراء الظلم والطغيان وضياع الحقوق، وفي الحديث، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكر الظلمة: ( ... فمن دخل عليهم، فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم ويعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وهو وارد علي الحوض ) [2] ، ويقول صلى الله عليه وسلم أيضا: ( من أعان باطلا ليدحض بباطله حقا، فقد برئت منه ذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ) [3] ، ويقول ميمون بن مهران: "الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء" [4] .

              وفي الحديث، عن عباد بن كثير الشامي، عن امرأة منهم يقال لها فسيلة، قالت: ( سمعت أبي يقول: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أمن [ ص: 72 ] العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال: لا، ولكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم ) [5] ، وسأل السجان الأمام أحمد بن حنبل، عندما كان مسجونا في محنة "خلق القرآن"، عن الأحاديث النبوية الشريفة، التي وردت في أعوان الظلمة، فقال له: الأحاديث صحيحة، فقال السجان: هل أنا من أعوان الظلمة؟ فقال له: لا، لست من أعوان الظلمة، إنما أعوان الظلمة من يخيط لك ثوبك، ومن يطهو لك طعامك، ومن يساعدك في كذا، أما أنت فمن الظلمة أنفسهم.

              نحن نتحدث دائما عن الظلمة، ولا نتذكر أعوانهم الذين يقودون حرب الشر ضد الخير، ويمارسون الظلم بكل أشكاله وصوره باسم الظلمة، وتحت راياتهم، وفي ظل حمايتهم، يقول فقيه الإسلام الحسن البصري، رحمه الله تعالى: "جعل الدين بين لاءين: لا تطغوا، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا" [6] .

              ومن صور الركون للظلمة كذلك، مداهنتهم، والرضا عن ظلمهم، وتبريره في مقابل تحقيق مكسب أو منفعة دنيوية، يقول الحسن البصري، رحمه الله تعالى: "من دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يعصى الله في أرضه" [7] ، وسأل أحدهم سفيان الثوري، رحمه الله تعالى، قال: أنا أخيط للظلمة، فهل أنا ممن [ ص: 73 ] يركن إليهم؟ فقال له سفيان: لا يا هذا، أنت منهم، ولكن الذي يبيعك الإبر لتخيط لهم هو من الراكنين" [8] .

              والإسلام يحض المسلم على أن لا يكون ظالما، وألا يكون معينا وعونا للظالم على ظلمه، فالقرآن الكريم لا يدين الظلام فقط، بل يدين أيضا أعوانهم وأتباعهم الذين يمثلون الأدوات، التي تنفذ ظلم الظالم بصوره وأشكاله، قال تعالى: ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ) (القصص:8).

              التالي السابق


              الخدمات العلمية