خاتمة
لا شك أن الظلم آفة ومرض خطير يهدد حياة المجتمعات والحضارات، لذلك لا بد من توفير الأدوات المناسبة واللازمة لمكافحته، لحماية المجتمعات الإنسانية من نتائجه وآثاره، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال العودة للدين، الذي يغرس عقيدة التوحيد في العقـول والقلوب، ويعززها لتفضي إلى تعظيم الله تعالى وإجلاله وخشيته في النفوس، وهذا بدوره سيعمل على خلق الوازع الداخلي في النفس والذي هو بمثابة البوصلة، التي تضبط وتوجه سلوك الفرد لينسجم مع كل ما أمر الله تعالى به، وهذا يعني توليد منظومة من الأخـلاق والقيـم والضوابط في المجتمع، من شأنها توجيه وتأطير السلوك الإنساني بـما يخدم الإنسان نفسه، ويمكنه من القيام بمهمته ودوره في عمارة الأرض.
على صعيد آخر، لا بد من احترام العلم والعلماء، ومنحهم الفرصة للقيام بدورهم الحقيقي في الحياة وضمن الضوابط والمعايير، التي يقررها الشرع الحنيف، فالعلم والدين هما وسائل التقدم والتطور، وهما أدوات مكافحة الظلم، وبالتالي فهما وجها الحياة الحقيقية، وبدونهما لن تستقيم الأمور، [ ص: 187 ] فأي تقدم هذا الذي يجرد فيه الإنسان من قيمه الروحية وأخلاقه السامية، وينزف إنسانيته في كل موقف يعيشه؟ أي تقدم هذا الذي يقود الإنسان في كل لحظـة إلى الهـوان والـذل والخـنـوع؟ أي حضارة هذه التي تحولت فيها المجتمعات إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف، وتهدر فيها كرامة الإنسان من قبل أخيه الإنسان؟
إننا بلا شك بحاجة إلى بوصلة تقودنا عبر الزمان والمكان، بوصلة أساسها الأخلاق والعدل على وجه الخصوص لتلبية الاحتياجات الإنسانية [1] ، بوصلة تفضي بنا إلى إدراك إنسانيتنا، وتقديرها واحترامها دون سواها، بوصلة تقودنا إلى احترام ذات الإنسان لا ما يملك، بوصلة توجهنا إلى حقيقة أن الدين والعلم هما حجر الزاوية في كل عمل إنساني، ولا شيء غير ذلك [2] .
إن العـالـم الـذي شكلناه بأساليب تفكيرنا المختلفة حتى الآن أوجد لنا مشـكلات يصعب حـلها بالتفـكير بالأساليب نفسها، التي كنا نفكر بها عندما خلقنا تلك المشكلات كما يقول "أينشتاين" [3] ، علينا أن ندرك "أن مصير البشرية لا يتوقف في النهاية على عقبات طبيعية لا تذلل، ولكن [ ص: 188 ] على عوامل اجتماعية وسياسية يمكن للبشر تعديلها، ولكن هذا ليس سهلا على الإطلاق؛ لأن تغيير نظام وقيم المجتمع كما يظهر التاريخ أصعب بكثير من قهر الحدود الطبيعية، ولكن تنفيذ هذه المهمة هو الطريق الوحيد المتاح للتوصل إلى بشرية أفضل" [4] .
وحـين يكتـشف الإنسان وجوه القصور في قدراته إزاء إمكاناته العظيمـة وأنه لا أمـل أو مستقبـل له، خـصـوصا أن كل شيء يوهمه بأنه مركز الكون ويعتبره ضمانا لتأكيد الدور الإيجابي لقيم الروح في الحياة، فإنه لا بد أن يستعيد الإنسان هذه القيم، فربما كانت الفردوس المفقود، الذي يبحث عنه [5] . [ ص: 189 ]