الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مكانة البحث اللغوي في علم الأصول

علم الأصول: «عبارة عن أدلة الأحكام، وعن معرفة وجوه دلالتها عن الأحكام من حيث الجملة لا من حيث التفصيل» [1] ؛ فهو «العلم بالقواعد التي تبين طريقة استخراج الأحكام من الأدلة» [2] ، والمقصود [ ص: 42 ] بالدليل هـنا هـو «الذي يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه، إلى العلم» [3] . وقد كان ظهور هـذا العلم نتيجة الرغبة في خدمة الشريعة الإسلامية، وسعيا لوضع قوانين وقواعد تضبط التعامل مع النص الشرعي لفهم معانيه، والوقوف على دلالاته، واستنباط الأحكام الشرعية منه [4] ، وتطبيقها على واقع الحياة العملية للمسلمين.

ومن المعلوم « أن أساس الأحكام الأول هـو كتاب الله وما جاء مبينا له من سنة رسـول الله صلى الله عليه وسلم وهما بلغة العرب» [5] التي تعد من ضوابط الفهم والتأويل للخطاب الشرعي، وأن الجهل بأدوات الفهم اللغوية يعد العائق الأول أمام استخراج الأحكام، وإدراك المقاصد الشرعية [6] . لهذا «احتلت القواعد اللغوية دائما مكانا بارزا في كتب أصول الفقه، بسبب أهميتها في تفسير نصوص الكتاب، واستخراج الأحكام منها» [7] . [ ص: 43 ] اتجه علماء الأصول إلى وضع قواعد لغوية لفهم النصوص الشرعية، واستنباط الأحكام منها، منطلقين من مبدأ أن هـذه النصوص هـي نصوص عربية؛ ولا بد لفهمها والاستنباط منها أن يكون المستنبط «عليما باللسان العربي، مدركا لدقائق مرامي العبارات فيه، وطرق الأداء، من تعبير بالحقيقة أحيانا، وتعبير بالمجاز أحيانا أخرى، ومدى الدلالة في كل طريق من طرق الأداء، لأن هـذه المعرفة لها مداها في فهم النصوص، وتبين الأحكام منها» [8] .

وقد أشار الشافعي (ت 204هـ) إلى أهمية العلم باللسان العربي في عملية الاجتهاد؛ فالقرآن «نزل بلسان العرب دون غيره؛ لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل لسان العرب، وكثرة وجوهه، وجماع معانيه وتفرقها، ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها» [9] .

وأكد الشاطبي، رحمه الله، أهمية اللغة العربية حين التعامل مع نصوص القرآن والسنة؛ فما دامت لغتهما عربية، جارية على أساليب كلام العرب، لزم كل من أراد التعامل معهما فهما واستنباطا أن يكون [ ص: 44 ] عارفا باللسـان العربي، بالغا فيه مبالـغ العرب، أو مبالغ الأئمة المتقدمـين، ومن عدم ذلك لزم التقـليد دون الاجـتهاد [10] . وقد عد ابن عاشور (ت 1973م) «المعرفة بعلوم اللغة العربية، وبأفانين القول، وأساليب الخطاب، المدخل الأول لفهم معاني القرآن، وتبين مقاصده، واستنباط أحكامه» [11] .

التالي السابق


الخدمات العلمية