المقدمة
إن البحث في النص اللغوي، ووسائل التعبير به قصد تبليغ المقاصد، أو إدراكها، هـو بحث فيما يقرب الفهم، ويسهله بين العباد، ومما تدفع به أسباب التنافر، والشقاق. ومن النفع العظيم، والخير العميم أن يبحث الإنسان في تلك النصوص اللغوية، وسبل الإفهام بها بين العباد تيسيرا لمهمة التعارف، والتآلف بينهم:
( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) (الحجرات:13) .
وبحثي هـذا محاولة للوقوف على بعض أساليب التعبير عن المقاصد، وطرقه، من خلال النصوص اللغوية، ومحاولة صياغتها في جملة أسس ومبادئ يرجى أن تمكن من الفهم الصحيح لمقاصد النص، وتساعد في محاولة إبلاغ هـذه المقاصد للآخرين، وإفهامهم بها. ويتم استقصاء تلك الأسـس والمبادئ من خلال تراث رائد المقاصد الشرعية ، وممثلها الإمام أبي إسحاق الشاطبي ، رحمه الله؛ وذلك باستقراء ما نشر له من مؤلفات.
ولتحقيق هـذا الهدف، فقد جاء البحث في ثلاثة فصول؛ ومدخل تمهيدي تناول إشكالية البحث، وأسئلته، وأهميته، ثم الأهداف المرجوة منه، وحدوده، والمنهج المتبع فيه، وتعريف بالشاطبي، مع إشارة إلى الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع؛ سواء في فكر الشاطبي، أم في المقاصد، أم في موضوع علاقة اللغة بالمقاصد. [ ص: 27 ]
وجاء الفصل الأول بمثابة الأرضية الممهدة للولوج إلى فكر الشاطبي، رحمه الله، وفيه عولجت علاقة الفكر الأصولي بالفكر اللغوي، مستنارا في ذلك بآراء الشاطبي بالخصوص. ثم كان الفصل الثاني، الذي حاولت فيه تحديد المبادئ اللغوية الشاطبية مستخلصة من جملة مؤلفاته المطبوعة، ومحاولة صياغة تلك الآراء الشـاطبية في جملة أسس ومبادئ عامة تسـاعد في فهم النص اللغوي عموما، والنص اللغوي الشرعي خصوصا، وتحديد مقاصده وغاياته.
ويأتي الفصل الثالث ليكون بمثابة الميدان التطبيقي لتلك الأسس، والمبادئ المستخلصة من خلال تحليل جملة نماذج من النصوص اللغوية الشرعية تشمل القرآن والسنة، لكونهما ميدان عمل الشاطبي، وقد كانت غاية دراسته بيان كيفية فهمهما فهما صحيحا، والوقوف على مقاصدهما وأغراضهما. وألحقت البحث بالخاتمة.
والله نسأل العفو، عن كل زلل أو خطأ، ونرجوه أن يبلغنا مقاصدنا، وهو الهادي إلى سواء السبيل. [ ص: 28 ]