الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قال : قد أوصيت بثلث مالي لابني فلان عمرو وحماد ، فإذا ليس له إلا عمرو كان جميع الثلث له ; لأنه جعل عمرا ، وحمادا بدلين عن قوله ابني فلان ، كما يقال : جاءني أخوك عمرو ، والبدل عند أهل النحو : هو الإعراض عن قوله الأول ، والأخذ بالثاني ، فكان المعتبر هو الثاني ، والأول يلغو ، كما إذا قلت : جاءني أخوك زيد يصير كأنك قلت جاءني زيد ، واعتمدت عليه ، وأعرضت [ ص: 382 ] عن قولك : أخوك إلى هذا ذهب الأئمة من النحويين وهذا قول سيبويه وإذا كان كذلك صار الموصي معتمدا على قوله : عمرو ، وحماد ، معرضا عن قوله : ابني فلان ، فصار كأنه قال : أوصيت بثلث مالي لعمرو ، وحماد ، وحماد ليس بموجود ، ولو كان كذلك لصرف كل الثلث إلى عمر وكذا ههنا ، والإشكال على هذا أن قوله : عمرو ، وحماد ، كما يصلح أن يكون بدلا عن قوله : ابني فلان ، يصلح أن يكون عطف بيان ، والمعتبر في عطف البيان : المذكور أولا ، والثاني يذكر لإزالة الجهالة عن الأول ، كما في قول القائل جاءني أخوك زيد إذا كان في إخوته كثرة - كان زيد مذكورا بطريق عطف البيان لإزالة الجهالة المتمكنة في قوله : أخوك لكثرة الإخوة بمنزلة النعت ، وإذا كان المعتبر هو المذكور أولا ، وهو قوله : ابني فلان ، فإذا لم يكن لفلان إلا ابن ، واحد ، وهو عمرو ، فينبغي أن لا يكون له إلا نصف الثلث ، والجواب : نعم ، هذا الكلام يصلح لهما جميعا لكن الحمل على ما قلنا أولى ; لأن فيه تصحيح جميع تصرفه ، وهو تمليكه جميع الثلث ، وأنه أوصى بتمليك جميع الثلث ، وفي الحمل على عطف البيان : إثبات تمليك النصف ، فكان ما قلناه أولى على أن من شرط عطف البيان : أن يكون الثاني معلوما ، كما في قول القائل جاءني أخوك زيد كان زيد معلوما ، فزال به وصف الجهالة المعترضة في قوله : أخوك بسبب كثرة الإخوة ، وفي مسألتنا : الثاني غير معلوم ; لأن اسم حماد ليس له مسمى موجود له ليكون معلوما ، فيحصل به بإزالة الجهالة فتعذر حمله على عطف البيان فيجعل بدلا للضرورة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية