الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ 2162 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=847751لا عدوى. ويحدث nindex.php?page=hadith&LINKID=840422أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: nindex.php?page=treesubj&link=32162_32161_28790_19651_32159_32158لا يورد ممرض على مصح.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12031أبو سلمة: كان nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة يحدثهما كلتيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صمت nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة بعد ذلك عن قوله: "لا عدوى" وأقام على nindex.php?page=hadith&LINKID=661125أن "لا يورد ممرض على مصح" فلا أدري أنسي nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر؟
الورود هو الوصول إلى الماء، و"أورد إبله" إذا أوصلها إليه، فصاحب الإبل مورد، والإبل موردة، وممرض: اسم فاعل من أمرض الرجل إذا أصاب ماشيته مرض - قاله يعقوب. ومصح: اسم فاعل من أصح; إذا أصابت ماشيته عاهة ثم صحت - قاله الجوهري . وقد جمع nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة - رضي الله عنه - في هذه الرواية بين قوله صلى الله عليه وسلم: " nindex.php?page=hadith&LINKID=847751لا عدوى " وبين قوله: " nindex.php?page=hadith&LINKID=840422لا يورد ممرض على مصح " وهو جمع صحيح لا بعد فيه; إذ كلاهما خبر عن المشروعية لا خبر عن الوجود، فقوله: " لا عدوى " أي: لا يجوز اعتقادها.
وقوله: " لا يورد ممرض على مصح " أي لا يفعل ذلك، فهما خبران يتضمنان النهي عن ذلك، وإنما نهى عن nindex.php?page=treesubj&link=32162_32161_28790_19651_32159_32158إيراد الممرض على المصح مخافة الوقوع فيما وقع فيه أهل الجاهلية من اعتقاد ذلك أو مخافة تشويش النفوس وتأثير الأوهام، وهذا كنحو أمره صلى الله عليه وسلم بالفرار من المجذوم، فإنا وإن كنا نعتقد أن الجذام لا يعدي فإنا نجد من أنفسنا نفرة وكراهية لذلك، حتى إذا أكره الإنسان نفسه على القرب منه وعلى مجالسته تألمت نفسه، وربما تأذت بذلك ومرضت، ويحتاج الإنسان في هذا إلى مجاهدة شديدة ومكابدة. ومع ذلك فالطبع أغلب، [ ص: 625 ] وإذا كان الأمر بهذه المثابة فالأولى بالإنسان ألا يقرب شيئا يحتاج الإنسان فيه إلى هذه المكابدة ولا يتعرض فيه إلى هذا الخطر، والمتعرض لهذا الألم زاعما أنه يجاهد نفسه حتى يزيل عنها تلك الكراهة هو بمنزلة من أدخل على نفسه مرضا إرادة علاجه حتى يزيله.
ولا شك في نقص عقل من كان على هذا، وإنما الذي يليق بالعقلاء ويناسب تصرف الفضلاء أن يباعد أسباب الآلام ويجانب طرق الأوهام، ويجتهد في مجانبة ذلك بكل ممكن مع علمه بأنه لا ينجي حذر عن قدر، وبمجموع الأمرين وردت الشرائع وتوافقت على ذلك العقول والطبائع.
وأما سكوت nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن قوله: " لا عدوى " وإيراد الحديث من غير " لا يورد ممرض على مصح " بعد أن حدث بمجموعهما فلا يصح أن يكون من باب النسخ كما قدره nindex.php?page=showalam&ids=12031أبو سلمة بن عبد الرحمن ; لأنهما لا تعارض بينهما؛ إذ الجمع صحيح كما قدمناه، بل الواجب أن يقال: إنهما خبران شرعيان عن أمرين مختلفين لا متعارضين; كخبر يتضمن حكما من أحكام الصلاة وآخر يتضمن حكما من أحكام الطهارة مثلا. وقد بينا وجه تباين الخبرين، وعلى هذا فسكوت nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة يحتمل أوجها:
[ ص: 626 ] أحدها: النسيان المتقدم، كما قال nindex.php?page=showalam&ids=12031أبو سلمة .
وثانيها: أنهما لما كانا خبرين متغايرين لا ملازمة بينهما جاز للمحدث أن يحدث بأحدهما ويسكت عن الآخر حسبما تدعو إليه الحاجة الحالية.
وثالثها: أن يكون خاف اعتقاد جاهل يظنهما متناقضين، فسكت عن أحدهما، حتى إذا أمن من ذلك حدث بهما جميعا.
ورابعها: أن يكون حمله على ذلك وجه غير ما ذكرناه لم يطلع عليه أحدا.
وعلى الجملة: فكل ذلك محتمل، غير أن الذي يقطع بنفيه النسخ على ما قررناه، والله أعلم.