الباب الخامس
. فيما تصنع به هذه الطهارة
وفيه مسألة واحدة ، وذلك أنهم اتفقوا على جوازها بتراب الحرث الطيب ، واختلفوا في جواز فعلها بما عدا التراب من أجزاء الأرض المتولدة عنها كالحجارة ، فذهب إلى أنه لا يجوز التيمم إلا بالتراب الخالص ، وذهب الشافعي مالك ، وأصحابه إلى أنه يجوز التيمم بكل ما صعد على وجه الأرض من أجزائها في المشهور عنه الحصا والرمل والتراب .
وزاد أبو حنيفة فقال : وبكل ما يتولد من الأرض من الحجارة مثل النورة والزرنيخ والجص ، والطين ، والرخام .
ومنهم من شرط أن يكون التراب على وجه الأرض وهم الجمهور .
وقال : أحمد بن حنبل . يتيمم بغبار الثوب واللبد
والسبب في اختلافهم شيئان : أحدهما اشتراك اسم الصعيد في لسان العرب ، فإنه مرة يطلق على التراب الخالص ، ومرة يطلق على جميع أجزاء الأرض الظاهرة ، حتى إن مالكا وأصحابه حملهم دلالة اشتقاق هذا الاسم - أعني : الصعيد - أن يجيزوا في إحدى الروايات عنهم التيمم على الحشيش ، وعلى الثلج ، قالوا : لأنه يسمى صعيدا في أصل التسمية ( أعني : من جهة صعوده على الأرض ، وهذا ضعيف .
والسبب الثاني إطلاق اسم الأرض في جواز التيمم بها في بعض روايات الحديث المشهور ، وتقييدها بالتراب في بعضها ، وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " فإن في بعض رواياته " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " وفي بعضها " " وقد اختلف أهل الكلام الفقهي هل يقضى بالمطلق على المقيد أو بالمقيد على المطلق ؟ والمشهور عندهم أن يقضى بالمقيد على المطلق وفيه نظر ، ومذهب جعلت لي الأرض مسجدا وجعلت لي تربتها طهورا أن يقضى بالمطلق على المقيد ; لأن المطلق فيه زيادة معنى ، فمن كان رأيه القضاء بالمقيد على المطلق ، وحمل اسم الصعيد الطيب على التراب لم يجز التيمم إلا بالتراب ، ومن قضى بالمطلق على المقيد وحمل اسم الصعيد على كل ما على وجه الأرض من أجزائها أجاز التيمم بالرمل والحصى . أبي محمد بن حزم
وأما إجازة التيمم بما يتولد منها فضعيف إذ كان لا يتناوله اسم الصعيد فإن أعم دلالة اسم الصعيد أن يدل على ما تدل عليه الأرض ، لا أن يدل على الزرنيخ والنورة ، ولا على الثلج ، والحشيش ، والله الموفق للصواب ، والاشتراك الذي في اسم الطيب أيضا من أحد دواعي الخلاف .