الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ الموضع الثاني ] .

[ هل يحجب بعض الشركاء بعضا عن بعض ] .

وأما المسألة الثانية : فإن الفقهاء اختلفوا في دخول الأشراك الذين هم عصبة في الشفعة مع الأشراك [ ص: 608 ] الذين شركتهم من قبل السهم الواحد :

فقال مالك : أهل السهم الواحد أحق بالشفعة إذا باع أحدهم من الأشراك معهم في المال من قبل التعصيب ، وأنه لا يدخل ذو العصبة في الشفعة على أهل السهام المقدرة ، ويدخل ذوو السهام على ذوي التعصيب ، مثل أن يموت ميت فيترك عقارا ترثه عنه بنتان ، وابنا عم ، ثم تبيع البنت الواحدة حظها ، فإن البنت الثانية عند مالك هي التي تشفع في ذلك الحظ الذي باعته أختها فقط دون ابني العم ، وإن باع أحد ابني العم نصيبه يشفع فيه البنات وابن العم الثاني ، وبهذا القول قال ابن القاسم .

وقال أهل الكوفة : لا يدخل ذوو السهام على العصبات ، ولا العصبات على ذوي السهام ، ويتشافع أهل السهم الواحد فيما بينهم خاصة ، وبه قال أشهب .

وقال الشافعي في أحد قوليه : يدخل ذوو السهام على العصبات والعصبات على ذوي السهام ، وهو الذي اختاره المزني ، وبه قال المغيرة من أصحاب مالك .

وعمدة مذهب الشافعي : عموم قضائه صلى الله عليه وسلم بالشفعة بين الشركاء ، ولم يفصل ذوي سهم من عصبة . ومن خصص ذوي السهام من العصبات فلأنه رأى أن الشركة مختلفة الأسباب ( أعني : بين ذوي السهام وبين العصبات ) ، فشبه الشركات المختلفة الأسباب بالشركات المختلفة من قبل محالها الذي هو المال بالقسمة بالأموال . ومن أدخل ذوي السهام على العصبة ، ولم يدخل العصبة على ذوي السهام ، فهو استحسان على غير قياس ، ووجه الاستحسان أنه رأى أن ذوي السهام أقعد من العصبة .

وأما إذا كان المشفوع عليهما اثنين فأكثر فأراد الشفيع أن يشفع على أحدهما دون الثاني : فقال ابن القاسم : إما أن يأخذ الكل أو يدع . وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والشافعي : له أن يشفع على أيهما أحب ، وبه قال أشهب .

فأما إذا باع رجلان شقصا من رجل ، فأراد الشفيع أن يشفع على أحدهما دون الثاني : فإن أبا حنيفة منع ذلك ، وجوزه الشافعي .

وأما إذا كان الشافعون أكثر من واحد ( أعني : الأشراك ) ، فأراد بعضهم أن يشفع وسلم له الباقي في البيوع : فالجمهور على أن للمشتري أن يقول للشريك : إما أن تشفع في الجميع ، أو تترك ، وأنه ليس له أن يشفع بحسب حظه إلا أن يوافقه المشتري على ذلك ، وأنه ليس له أن يبعض الشفعة على المشتري إن لم يرض بتبعيضها . وقال أصبغ من أصحاب مالك : إن كان ترك بعضهم الأخذ بالشفعة رفقا بالمشتري لم يكن للشفيع إلا أن يأخذ حصته فقط .

ولا خلاف في مذهب مالك أنه إذا كان بعض الشفعاء غائبا وبعضهم حاضرا ، فأراد الحاضر أن يأخذ حصته فقط أنه ليس له ذلك ، إلا أن يأخذ الكل أو يدع ، فإذا قدم الغائب فإن شاء أخذ ، وإن شاء ترك .

واتفقوا على أن من شرط الأخذ بالشفعة أن تكون الشركة متقدمة على البيع . واختلفوا هل من شرطها أن تكون موجودة في حال البيع ، وأن تكون ثابتة قبل البيع ؟

فأما المسألة الأولى ( وهي إذا لم يكن شريكا في حال البيع ) ، وذلك يتصور بأن يكون يتراخى عن الأخذ بالشفعة بسبب من الأسباب التي لا يقطع له الأخذ بالشفعة حتى يبيع الحظ الذي كان به شريكا . فروى [ ص: 609 ] أشهب أن قول مالك اختلف في ذلك ، فمرة قال : له الأخذ بالشفعة ، ومرة قال : ليس له ذلك . واختار أشهب أنه لا شفعة له ، وهو قياس قول الشافعي ، والكوفيين; لأن المقصود بالشفعة إنما هو إزالة الضرر من جهة الشركة ، وهذا ليس بشريك . وقال ابن القاسم : له الشفعة إذا كان قيامه في أثره; لأنه يرى أن الحق الذي وجب له لم يرتفع ببيعه حظه .

التالي السابق


الخدمات العلمية