[ المسألة الثانية ]
[ ] الاجتهاد في القبلة
وأما المسألة الثانية : فهي هل فرض المجتهد في القبلة الإصابة ، أو الاجتهاد فقط حتى يكون إذا قلنا : إن فرضه الإصابة ، متى تبين له أنه أخطأ أعاد الصلاة ، ومتى قلنا إن فرضه الاجتهاد لم يجب أن يعيد إذا تبين له الخطأ ، وقد كان صلى قبل اجتهاده .
أما فزعم أن فرضه الإصابة ، وأنه إذا تبين له أنه أخطأ أعاد أبدا ، وقال قوم : لا يعيد ، وقد مضت صلاته ما لم يتعمد ، أو صلى بغير اجتهاد ، وبه قال الشافعي مالك وأبو حنيفة ، إلا أن مالكا استحب له الإعادة في الوقت .
وسبب الخلاف في ذلك معارضة الأثر للقياس مع الاختلاف أيضا في تصحيح الأثر الوارد في ذلك .
أما القياس فهو تشبيه الجهة بالوقت : ( أعني بوقت الصلاة ) وذلك أنهم أجمعوا على أن الفرض فيه هو الإصابة ، وأنه إن انكشف للمكلف أنه صلى قبل الوقت أعاد أبدا إلا خلافا شاذا في ذلك عن وعن ابن عباس ، وما روي عن الشعبي مالك من أن المسافر إذا جهل فصلى العشاء قبل غيبوبة الشفق ، ثم انكشف له أنه صلاها قبل غيبوبة الشفق أنه قد مضت صلاته ، ووجه الشبه بينهما أن هذا ميقات وقت ، وهذا ميقات جهة .
وأما الأثر ، فحديث قال : " عامر بن ربيعة كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة ظلماء في سفر ، فخفيت علينا القبلة ، فصلى كل واحد منا إلى وجه وعلمنا ، فلما أصبحنا ، فإذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة ، فسألنا [ ص: 97 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : مضت صلاتكم ، ونزلت : ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) وعلى هذا فتكون هذه الآية محكمة ، وتكون فيمن صلى فانكشف له أنه صلى لغير القبلة ، والجمهور على أنها منسوخة بقوله تعالى : ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ) فمن لم يصح عنده هذا الأثر قاس ميقات الجهة على ميقات الزمان ، ومن ذهب مذهب الأثر لم يبطل صلاته .
وفي هذا الباب مسألة مشهورة ، وهي جواز الصلاة في داخل الكعبة .