الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : القول في تفريق الوضوء

                                                                                                                                            قال الشافعي رضي الله عنه : وإن فرق وضوءه ، وغسله أجزأه ، واحتج في ذلك بابن عمر .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الموالاة في الوضوء أفضل ، ومتابعة الأعضاء أكمل انقيادا لما يقتضيه الأمر من التعجيل واتباعا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم . فإن فرق فالتفريق ضربان قريب وبعيد : فالقريب معفو عنه لا تأثير له في الوضوء وحده ما لم تجف الأعضاء مع اعتدال الهواء في غير برد ولا حر مشتد وليس الجفاف معتبرا ، وإنما زمانه هو التعبير .

                                                                                                                                            وأما البعيد فهو أن يمضي زمان الجفاف في اعتدال الهواء ففيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وبه قال في القديم أنه غير جائز والوضوء معه غير صحيح وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب ، ومن الفقهاء الأوزاعي وأحمد .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وبه قال في الجديد أنه جائز والوضوء معه صحيح ، وبه قال من الصحابة عبد الله بن عمرو ومن التابعين الحسن وسعيد بن المسيب ، ومن الفقهاء الثوري وأبو [ ص: 137 ] حنيفة . وقال مالك والليث بن سعد : إن فرقه لعذر جاز ، وإن فرقه لغير عذر لم يجز . ووجه القول الأول بأنه لا يجوز أن مطلق أمر الله تعالى بالوضوء لقوله : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم [ المائدة : 6 ] . يقتضي الفور والتعجيل وذلك يمنع من التأجيل ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ على الولاء ثم قال : " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " يعني إلا بمثله في الموالاة ، وروى قتادة عن أنس أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد توضأ وترك على قدميه مثل موضع الظفر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجع فأحسن وضوءك " ولأنها عبادة يرجع في حال العذر إلى شطرها فوجب أن تكون الموالاة من شرطها كالصلاة .

                                                                                                                                            ووجه قوله في الجديد بأنه يجوز ، هو أن التفريق لا يمنع من امتثال الأمر في قوله تعالى : فاغسلوا وجوهكم ، فوجب ألا يمنع من الإجزاء ، فإن قيل : فالأوامر تقتضي الفور ، قيل : فيه بين أصحابنا خلاف ، وروى نافع ، عن ابن عمر أنه توضأ في منزله وفي رجليه خفان فلم يمسح عليهما حتى خرج إلى المسجد فحضرت جنازة فدعى بماء فمسح على خفيه وذلك بالمدينة فلم ينكر ذلك عليه أحد ، ولأنه تفريق في تطهير فجاز كالتفريق اليسير ولأن كل عبادة جاز فيها التفريق اليسير جاز فيها التفريق الكثير كالحج طردا ، والصلاة عكسا ، ولأن كل عبادة جاز تفريق النية على أبعاضها جاز تفريق أبعاضها كالزكاة ، وبيان ذلك أنه لما جاز تفريق نية الزكاة على ما يؤديه حالا بعد حال ، جاز تفريق ما يؤديه في زمان بعد زمان ، كذا الوضوء لما جاز تفريق النية على أعضائه جاز تفريق النية على أعضائه .

                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من توجيه القولين فالحكم في الوضوء والغسل سواء وتفريقهما على قولين :

                                                                                                                                            فأما تفريق التيمم فقد اختلف أصحابنا فيه فكان أبو الحسن بن القطان وطائفة يخرجونه على قولين كتفريق الوضوء سواء ، وكان جمهور أصحابنا يمنعون من تخريج القولين فيه ويبطلونه بالتفريق قولا واحدا ويفرقون بينهما بأن تعجيل التيمم للصلاة مستحق وتعجيل الوضوء غير مستحق ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية