الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ولو غسل وجهه مرة ولم يغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ولم يكن فيهما قذر وغسل ذراعيه مرة مرة ومسح بعض رأسه بيده أو ببعضهما ما لم يخرج عن منابت شعر رأسه أجزأه . واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعلى [ ص: 132 ] عمامته . ( قال الشافعي ) والنزعتان من الرأس وغسل رجليه مرة مرة وعم بكل مرة ما غسل أجزأه واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ثم قال : " هذا وضوء لا يقبل الله تبارك وتعالى صلاة إلا به " ثم توضأ مرتين مرتين ثم قال : " من توضأ مرتين مرتين آتاه الله أجره مرتين " ثم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال : " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي ووضوء خليلي إبراهيم صلى الله عليه وسلم ( قال ) وفي تركه أن يتمضمض ويستنشق ويمسح أذنيه ترك للسنة وليست الأذنان من الوجه فيغسلا ولا من الرأس فيجزي مسحه عليهما فهما سنة على حيالهما واحتج بأنه لما لم يكن على ما فوق الأذنين مما يليهما من الرأس ولا على ما وراءهما مما يلي منابت شعر الرأس إليهما ولا على ما يليهما إلى العنق مسح وهو إلى الرأس أقرب كانت الأذنان من الرأس أبعد . ( قال المزني ) لو كانتا من الرأس أجزأ من حج حلقهما عن تقصير الرأس فصح أنهما سنة على حيالهما .

                                                                                                                                            قال الماوردي : الوضوء يشتمل على أربعة أقسام : فقسم فريضة ، وقسم سنة ، وقسم هيئة ، وقسم فضيلة : فأما الفريضة فست لا يختلف المذهب فيها وسابع اختلف قوله فيه : أحدها : النية .

                                                                                                                                            والثاني : غسل جميع الوجه .

                                                                                                                                            والثالث : غسل الذراعين مع المرفقين .

                                                                                                                                            والرابع : مسح بعض الرأس وإن قل .

                                                                                                                                            والخامس : غسل الرجلين مع الكعبين .

                                                                                                                                            والسادس : الترتيب .

                                                                                                                                            والسابع : المختلف فيه الموالاة ، فعلى قوله في القديم ، هو فرض فإن فرق وضوءه لم يجزه ، وعلى قوله في الجديد ليس بفرض ، وإن فرق وضوءه أجزأه ، فأما الماء الطاهر فليس من أفعال الوضوء ، فلم يدخل في عدد فروضه ومن أصحابنا من كان يعده فرضا ثامنا .

                                                                                                                                            وأما السنة فعشر : خمس قبل الوجه وخمس بعده ، فأما الخمس التي قبل الوجه : أحدها : التسمية .

                                                                                                                                            والثاني : غسل الكفين ثلاثا .

                                                                                                                                            والثالث : المضمضة .

                                                                                                                                            والرابع : الاستنشاق .

                                                                                                                                            والخامس : المبالغة في الاستنشاق إلا أن يكون صائما فيرفق . وكان أبو العباس بن سريج يضم إليها سادسا وهو السواك .

                                                                                                                                            وأما الخمس التي بعد الوجه :

                                                                                                                                            أحدها : التبدئة بالميامن . [ ص: 133 ] والثاني : استيعاب جميع الرأس .

                                                                                                                                            والثالث : مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد .

                                                                                                                                            والرابع : إدخال السبابتين في صماخي الأذنين .

                                                                                                                                            والخامس : تخليل أصابع الرجلين .

                                                                                                                                            وكان ابن العاص يضم إليهما سادسا وهو مسح العنق بالماء .

                                                                                                                                            وأما الهيئة فهي التبدية في الوجه بأعلاه وفي اليدين بالكفين وفي الرأس بمقدمه وفي الرجلين بأطراف أصابعه على ما مضى من صفة ذلك وهيئته .

                                                                                                                                            وأما الفضيلة فهو التكرار ثلاثا فإن اقتصر على المرة الواحدة أجزأه وهو الغرض وإن توضأ مرتين كان أفضل منهما .

                                                                                                                                            وقال مالك : الفضيلة في الثلاث والمرة أفضل من المرتين وهذا مدفوع بالسنة والعبرة . وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ثم قال : " هذا وضوء لا يقبل الله تبارك وتعالى صلاة إلا به " ثم توضأ مرتين مرتين ثم قال : " من توضأ مرتين مرتين آتاه الله أجره مرتين " ثم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال : " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي ووضوء خليلي إبراهيم " ولأن المرتين أكثر عملا وأقرب إلى الثلاث من المرة فكان أكثر فضلا .

                                                                                                                                            فأما الزيادة على الثلاث فغير مسنونة واختلف أصحابنا في كراهتها فذهب أبو حامد الإسفراييني إلى أنها غير مكروهة لأنها زيادة عمل وبر .

                                                                                                                                            وقال سائر أصحابنا : إن الزيادة على الثلاث مكروهة وهذا أصح ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " حين تتوضأ ثلاثا فمن زاد فقد أساء وظلم " ولأن في الزيادة على الثلاث إسرافا في استعمال الماء وقد روي عن عبد الله بن عمران أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعيد وهو يتوضأ فقال : " ما هذا السرف ؟ " فقال : في الوضوء سرف قال : " نعم وإن كنت على نهر جار . [ ص: 134 ] وروى عبد الله بن مغفل قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يكون في هذه الأمة قوم يتعبدون في الطهور والدعاء " .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية