الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وأحب الغسل من غسل الميت ، وكذلك الغسل للأعياد سنة اختيارا وإن ترك الغسل للجمعة والعيد أجزأته الصلاة وإن نوى الغسل للجمعة والعيد لم يجزه من الجنابة حتى ينوي الجنابة وأولى الغسل أن يجب عندي بعد غسل الجنابة الغسل من غسل الميت والوضوء من مسه مفضيا إليه ولوثبت الحديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت به ثم غسل الجمعة ولا نرخص في تركه ولا نوجبه إيجابا لا يجزئ غيره ( قال المزني ) إذا لم يثبت فقد ثبت تأكيد غسل الجمعة فهو أولى وأجمعوا إن مس خنزيرا أو مس ميتة أنه لا غسل ولا وضوء عليه إلا غسل ما أصابه فكيف يجب عليه ذلك في أخيه المؤمن ؟ ! " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما غسل الميت فواجب ، وأما الغسل من غسله والوضوء من مسه فقد روى صالح مولى التوأمة عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من غسل ميتا فليغتسل ، ومن مسه مفضيا إليه فليتوضأ " .

                                                                                                                                            قال الشافعي رضي الله عنه : إن صح هذا الحديث قلت به ، فلم يصح : لأن في إسناده ضعفا ، فالغسل من غسل الميت ، والوضوء من مسه سنة ، وليس بواجب وإنما كان سنة مع ضعف الحديث : لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ، وكذلك صحابته ، روى عبد الله بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع من الجنابة ، ويوم الجمعة ومن الحجامة ومن [ ص: 377 ] غسل الميت وإن صح هذا الحديث ، وثبت فإن من أصحاب الحديث من أخرج لصحته مائة وعشرين طريقا فقد اختلف أصحابنا في وجوبه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون واجبا ؟ لثبوت الأمر به وهو قول أبي إسحاق .

                                                                                                                                            والثاني : يكون مع ثبوت الأمر به استحبابا لاحتماله وهو قول أبي العباس .

                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أنه مأمور به استحبابا وإما واجبا ، فقد اختلف أصحابنا فيه هل هو معقول المعنى أم لا ؟ فقال بعضهم : ليس هو بمعقول المعنى ، وإنما فعل استسلاما للشرع ، وقال آخرون : بل هو معقول المعنى ، فمن قال بهذا اختلفوا في معناه على وجهين : أحدهما : وهو قول أبي الطيب بن سلمة ، وأبي العباس أن المعنى فيه نجاسة الميت ، والغسل من الأنجاس مندوب إليه إن كان يابسا وواجب إن كان رطبا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس وابن أبي هريرة أن المعنى فيه حرمة الميت كما تلزم الطهارة لملامسة النساء الأحياء لحرمتهن ليصلي على الميت على أكمل طهارة .

                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا فإن قيل بوجوبه ، فهو لا محالة مقدم على غسل الجمعة ، وإن قيل باستحبابه ففي تأكيده على غسل الجمعة قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم أن غسل الجمعة أوكد سنة : لثبوت الخبر فيه واختلاف الناس في وجوبه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : قاله في الجديد أنه أوكد من غسل الجمعة ، لوقوف الخبر على الصحة وتردده بين الواجب والسنة .

                                                                                                                                            فصل : فأما المزني فإنه أنكره ومنع من ثبوت حكمه حتما أو ندبا تعلقا بأن من مس كلبا أو خنزيرا لم يتوضأ فكيف يتوضأ من أخيه المؤمن ، وهذا خطأ من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه جمع ما فرقت السنة بينهما .

                                                                                                                                            والثاني : أنه استدلال يرفض الأصول : لأن من مس امرأة مؤمنة توضأ ، ومن مس ميتة أو خنزيرا لم يتوضأ ، ومن مس ذكر مؤمن توضأ ولو مس بولا أو عذرة لم يتوضأ فكيف يمنع من تسليم أن يكون الشرع واردا بالوضوء من مس الميتة دون الخنزير والله أعلم

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية