الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ثم يمسح يديه .

                                                                                                                                            واختلف الفقهاء في مسح اليدين على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : ما حكي عن الزهري أن يمسحهما إلى المنكبين .

                                                                                                                                            والثاني : ما قاله الشافعي في الجديد ومنصوصات القديم أنه يمسح الذراعين إلى المرفقين وبه قال من الصحابة ابن عمر وجابر ومن التابعين سعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وابن سيرين ، ومن الفقهاء الليث بن سعد ، وسفيان الثوري ، وأبو حنيفة ، وصاحباه . والثالث : ما قاله مالك : أنه يمسح الكفين إلى الكوعين وبه قال من الصحابة ابن مسعود ، وابن عباس ، ومن التابعين عكرمة ، ومكحول ، ومن الفقهاء الأوزاعي ، وأحمد وإسحاق ، ورواه أبو ثور ، عن الشافعي في القديم وحكى الزعفراني أن الشافعي في القديم كان يجعله موقوفا على صحة حديث عمار ومنصوصه في القديم كله خلاف هذا واستدل من قال بأن [ ص: 235 ] الواجب مسح الكفين بقوله تعالى : فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه [ المائدة :

                                                                                                                                            6 ] ومطلق اسم اليد يتناول الكف ، بدليل الاقتصار في قطع يد السارق عليها ، وبرواية الحكم ، عن ذر ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، عن عمار بن ياسر أنه قال : كنت في الإبل فأصابتني جنابة فتمعكت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : " إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض فتمسح بها وجهك وكفيك " والدليل على وجوب مسحهما إلى المرفق قوله تعالى : وأيديكم منه وإطلاق اسم اليد يتناول المنكب فدخل الذراع في عموم الاسم ، ثم اقتصر في التيمم على تقييده في الوضوء [ به ] ، وروى الشافعي ، عن إبراهيم بن محمد ، عن أبي الحويرث ، عن أبي الأعرج ، عن ابن الصمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه .

                                                                                                                                            وروى أحمد بن ثابت العبدي ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب بيده على الحائط ومسح بها وجهه ، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه .

                                                                                                                                            وروى عروة عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين " وروى الربيع بن زيد عن أبيه عن جده عن أسلع قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة المريسيع فأصابتني جنابة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قم فارحل [ ص: 236 ] بي " فقلت : " إني جنب فنزل عليه جبريل بآية التيمم فأراني النبي صلى الله عليه وسلم كيف أتيمم فضرب بيديه على الأرض فمسح وجهه وضرب أخرى فمسح ذراعيه إلى المرفقين ، ولأنه ممسوح في التيمم فوجب أن يكون مسحه كغسله قياسا على الوجه .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن استدلالهم بالآية فهو ما ذكرنا من وجه الاستدلال بها ، وأما حديث عمار فقد روى عمار وقد روي عنه خلافه وطريقه مضطرب والاختلاف في نقله كثير فلم [ ص: 237 ] يجز أن يكون معارضا لما روينا من الأخبار المشهورة من الطرق الصحيحة مع زيادتها ، وأن الزيادة أولى أن يؤخذ بها والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية