قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يجزئ أن يستطيب بعظم ولا نجس " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، قد ذكرنا أن الاستنجاء بالعظم لا يجوز وذهب أبو حنيفة إلى جوازه لكونه طاهرا مزيلا كالحجر ، " ودليلنا " رواية شيبان عن رويفع بن ثابت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي فأخبر الناس أن من استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا صلى الله عليه وسلم منه بريء " . وروي عن " يا عبد الله الديلمي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : محمد انه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقا . قال : فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك . قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا
وروى صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يستطيبن [ ص: 174 ] أحدكم بالبعر ولا بالعظم " . ولأن العظم لا يخلو إما أن يكون مذكى أو غير مذكى .
فإن كان غير مذكى فهو نجس والاستنجاء بالنجس لا يجوز .
وإن كان مذكى فهو مطعوم والاستنجاء بالمطعوم لا يجوز لما دللنا عليه ولأن في العظم سهوكة لزوجته تمنع من الإزالة فإذا ثبت أن الاستنجاء به غير جائز ، سواء كان العظم الذي يستنجي به رخوا رطبا أو كان قويا مشتدا ، قديما كان أو حديثا ، ميتا كان أو ذكيا ، فإن أحرق بالنار حتى ذهبت سهوكة لزوجته وخرج عن حال العظم فإن كان عظم ميت لم يجز الاستنجاء به لأنه نجس عندنا والنار لا تطهر النجاسة ، وإن كان مذكى فقد اختلف أصحابنا في جواز على وجهين : استعماله بعد إحراقه
أحدهما : يجوز أن يستعمل لأن النار قد أحالته عن حاله فصارت كالدباغة تحيل الجلد المذكى عما كان عليه إلى حال يجوز الاستنجاء به .
والوجه الثاني : لا يجوز الاستنجاء به ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الروث والرمة ، ومعلوم أن الرمة هي العظم البالي فلا فرق أن يصير باليا بمرور الزمان ، وبين أن يصير باليا بالنار ، والشاهد على أن الرمة هي العظم البالي قول جرير لابنه في شعره :
فارقتني حين غض الدهر من بصري وحين صرت كعظم الرمة البالي
والفرق بين النار في العظم وبين الدباغة في الجلد أن الدباغة تنقل الجلد إلى حال زائدة فأفادته حكما زائدا ، والنار تنقل العظم إلى حال ناقصة ، فكان أولى أن يصير حكمه ناقصا .