قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : إن الذين يستبدلون - بتركهم عهد الله الذي عهد إليهم ، ووصيته التي أوصاهم بها في الكتب التي أنزلها الله إلى أنبيائه ، باتباع محمد وتصديقه والإقرار به وما جاء به من عند الله - وبأيمانهم الكاذبة التي يستحلون بها ما حرم الله عليهم من أموال الناس التي ائتمنوا عليها " ثمنا " يعني عوضا وبدلا خسيسا من عرض الدنيا وحطامها " أولئك لا خلاق لهم في الآخرة " يقول : فإن الذين يفعلون ذلك لا حظ لهم في خيرات الآخرة ، ولا نصيب لهم من نعيم الجنة وما أعد الله لأهلها فيها دون غيرهم .
وقد بينا اختلاف أهل التأويل فيما مضى في معنى " الخلاق " ودللنا على [ ص: 528 ] أولى أقوالهم في ذلك بالصواب ، بما فيه الكفاية .
وأما قوله : " ولا يكلمهم الله " فإنه يعني : ولا يكلمهم الله بما يسرهم " ولا ينظر إليهم " يقول : ولا يعطف عليهم بخير ، مقتا من الله لهم ، كقول القائل لآخر : " انظر إلي نظر الله إليك " بمعنى : تعطف علي تعطف الله عليك بخير ورحمة وكما يقال للرجل : " لا سمع الله لك دعاءك " يراد : لا استجاب الله لك ، والله لا يخفى عليه خافية ، وكما قال الشاعر :
دعوت الله حتى خفت أن لا يكون الله يسمع ما أقول
وقوله " ولا يزكيهم " يعني : ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم " ولهم عذاب أليم " يعني : ولهم عذاب موجع .
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية ، ومن عني بها .
فقال بعضهم نزلت في أحبار من أحبار اليهود .
ذكر من قال ذلك :
7278 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، عكرمة قال : نزلت هذه الآية : " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " [ ص: 529 ] ، في أبي رافع ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وكعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب .
وقال آخرون : بل نزلت في الأشعث بن قيس وخصم له .
ذكر من قال ذلك :
7279 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من ليقتطع بها مال امرئ مسلم ، لقي الله وهو عليه غضبان فقال حلف على يمين هو فيها فاجر الأشعث بن قيس : في والله كان ذلك : كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني ، فقدمته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألك بينة ؟ قلت : لا ! فقال لليهودي : " احلف . قلت : يا رسول الله ، إذا يحلف فيذهب مالي ! فأنزل الله - عز وجل - : " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " الآية . [ ص: 530 ] عن
7280 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا قال : أخبرنا يزيد بن هارون جرير بن حازم ، عن عدي بن عدي ، عن رجاء بن حيوة والعرس أنهما حدثاه ، عدي بن عميرة قال : كان بين امرئ القيس ورجل من حضرموت خصومة ، فارتفعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال للحضرمي : " بينتك ، وإلا فيمينه " . قال : يا رسول الله ، إن حلف ذهب بأرضي ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها حق أخيه ، لقي الله وهو عليه غضبان . فقال امرؤ القيس : يا رسول الله ، فما لمن تركها ، وهو يعلم أنها حق ؟ قال : الجنة . قال : فإني أشهدك أني قد تركتها قال جرير : فكنت مع أيوب السختياني حين سمعنا هذا الحديث من عدي ، فقال أيوب : إن عديا قال في حديث العرس بن عميرة : فنزلت هذه الآية : " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " إلى آخر الآية قال جرير : ولم أحفظ يومئذ من عدي . [ ص: 531 ] عن أبيه
7281 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قال : قال آخرون : ابن جريج ، الأشعث بن قيس اختصم هو ورجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أرض كانت في يده لذلك الرجل ، أخذها لتعززه في الجاهلية ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أقم بينتك . قال الرجل : ليس يشهد لي أحد على الأشعث ! قال : فلك يمينه . فقام الأشعث ليحلف ، فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية ، فنكل الأشعث وقال : إني أشهد الله وأشهدكم أن خصمي صادق . فرد إليه أرضه ، وزاده من أرض نفسه زيادة كثيرة ، مخافة أن يبقى في يده شيء من حقه ، فهي لعقب ذلك الرجل بعده . [ ص: 532 ] إن
7282 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن شقيق ، عبد الله قال : من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر ، لقي الله وهو عليه غضبان ، ثم أنزل الله تصديق ذلك : " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " الآية . ثم إن الأشعث بن قيس خرج إلينا فقال : ما حدثكم أبو عبد الرحمن ؟ فحدثناه بما قال : فقال : صدق ، لفي أنزلت ! كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر ، فاختصمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " شاهداك أو يمينه . فقلت : إذا يحلف ولا يبالي ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر ، لقي الله وهو عليه غضبان " ثم أنزل الله - عز وجل - تصديق ذلك : " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " الآية . [ ص: 533 ] عن
وقال آخرون بما : -
7283 - حدثنا به قال : حدثنا محمد بن المثنى عبد الوهاب قال : أخبرني عن داود بن أبي هند ، عامر : أن رجلا أقام سلعته أول النهار ، فلما كان آخره جاء رجل يساومه ، فحلف لقد منعها أول النهار من كذا وكذا ، ولولا المساء ما باعها به ، فأنزل الله - عز وجل - : " إن الذي يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " .
7284 - حدثنا قال : حدثنا ابن المثنى عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن رجل ، عن مجاهد نحوه .
7285 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) الآية ، إلى : " ولهم عذاب أليم " أنزلهم الله بمنزلة السحرة .
7286 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، قتادة : أن عمران بن حصين كان يقول : من حلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال أخيه ، فليتبوأ مقعده من النار . فقال له قائل : شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال لهم : إنكم لتجدون ذلك . ثم قرأ هذه الآية : " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " الآية . عن
7287 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : حدثنا حسين بن علي ، عن زائدة ، عن هشام قال : قال محمد ، عن عمران بن حصين : من حلف على يمين مصبورة فليتبوأ بوجهه مقعده من النار . ثم قرأ هذه الآية كلها : " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " . [ ص: 534 ]
7288 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن قال : إن سعيد بن المسيب من الكبائر . ثم تلا " اليمين الفاجرة إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " .
7289 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن كان يقول : كنا نرى ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن من الذنب الذي لا يغفر : يمين الصبر ، إذا فجر فيها صاحبها . عبد الله بن مسعود