[ ص: 73 ]
(
nindex.php?page=treesubj&link=28963القول في الوجوه التي من قبلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن )
قال أبو جعفر : قد قلنا في الدلالة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=20758القرآن كله عربي ، وأنه نزل بألسن بعض
العرب دون ألسن جميعها ، وأن قراءة المسلمين اليوم - ومصاحفهم التي هي بين أظهرهم - ببعض الألسن التي نزل بها القرآن دون جميعها . وقلنا - في البيان عما يحويه القرآن من النور والبرهان ، والحكمة والتبيان التي أودعها الله إياه : من أمره ونهيه ، وحلاله وحرامه ، ووعده ووعيده ، ومحكمه ومتشابهه ، ولطائف حكمه - ما فيه الكفاية لمن وفق لفهمه .
ونحن قائلون في البيان عن وجوه مطالب تأويله :
قال الله جل ذكره وتقدست أسماؤه ، لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) [ سورة النحل : 44 ] ، وقال أيضا جل ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) [ سورة النحل : 64 ، ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ) [ سورة آل عمران : 7 ] .
فقد تبين ببيان الله جل ذكره :
[ ص: 74 ]
أن مما أنزل الله من القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم ، ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم . وذلك تأويل جميع ما فيه : من وجوه أمره - واجبه وندبه وإرشاده - ، وصنوف نهيه ، ووظائف حقوقه وحدوده ، ومبالغ فرائضه ، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض ، وما أشبه ذلك من أحكام آيه ، التي لم يدرك علمها إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته . وهذا وجه لا يجوز لأحد القول فيه ، إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأويله بنص منه عليه ، أو بدلالة قد نصبها ، دالة أمته على تأويله .
وأن منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار . وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة ، وأوقات آتية ، كوقت قيام الساعة ، والنفخ في الصور ، ونزول
عيسى ابن مريم ، وما أشبه ذلك : فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها ، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا الخبر بأشراطها ، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه . وبذلك أنزل ربنا محكم كتابه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) [ سورة الأعراف : 187 . وكان نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شيئا من ذلك ، لم يدل عليه إلا بأشراطه دون تحديده بوقته كالذي
nindex.php?page=hadith&LINKID=811233روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه ، إذ ذكر الدجال : إن يخرج وأنا فيكم ، فأنا حجيجه ، وإن يخرج بعدي ، فالله خليفتي عليكم " وما أشبه
[ ص: 75 ] ذلك من الأخبار - التي يطول باستيعابها الكتاب - الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده علم أوقات شيء منه بمقادير السنين والأيام ، وأن الله جل ثناؤه إنما كان عرفه مجيئه بأشراطه ، ووقته بأدلته .
وأن منه ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن . وذلك : إقامة إعرابه ، ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها ، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها ، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم . وذلك كسامع منهم لو سمع تاليا يتلو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) [ سورة البقرة : 11 ، 12 ] ، لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرة ، وأن الإصلاح هو ما ينبغي فعله مما فعله منفعة ، وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفسادا ، والمعاني التي جعلها الله إصلاحا . فالذي يعلمه ذو اللسان - الذي بلسانه نزل القرآن - من تأويل القرآن ، هو ما وصفت : من معرفة أعيان المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها ، والموصوفات بصفاتها الخاصة ، دون الواجب من أحكامها وصفاتها وهيآتها التي خص الله بعلمها نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلا يدرك علمه إلا ببيانه ، دون ما استأثر الله بعلمه دون خلقه .
وبمثل ما قلنا من ذلك روي الخبر عن
ابن عباس :
71 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : حدثنا
مؤمل ، قال : حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، قال : قال
ابن عباس :
nindex.php?page=treesubj&link=28962التفسير على أربعة أوجه : وجه تعرفه
العرب من كلامها ، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى ذكره .
قال
أبو جعفر : وهذا الوجه الرابع الذي ذكره
ابن عباس : من أن أحدا
[ ص: 76 ] لا يعذر بجهالته ، معنى غير الإبانة عن وجوه مطالب تأويله . وإنما هو خبر عن أن من تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به . وقد روي بنحو ما قلنا في ذلك أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر في إسناده نظر .
72 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : سمعت
عمرو بن الحارث يحدث ، عن
الكلبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبي صالح ، مولى أم هانئ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنزل القرآن على أربعة أحرف : حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير تفسره العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى ذكره ، ومن ادعى علمه سوى الله تعالى ذكره فهو كاذب .
[ ص: 73 ]
(
nindex.php?page=treesubj&link=28963الْقَوْلُ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا يُوصَلُ إِلَى مَعْرِفَةِ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ )
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : قَدْ قُلْنَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20758الْقُرْآنَ كُلَّهُ عَرَبِيٌّ ، وَأَنَّهُ نَزَلَ بِأَلْسُنِ بَعْضِ
الْعَرَبِ دُونَ أَلْسُنِ جَمِيعِهَا ، وَأَنَّ قِرَاءَةَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ - وَمَصَاحِفَهُمُ الَّتِي هِيَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ - بِبَعْضِ الْأَلْسُنِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ دُونَ جَمِيعِهَا . وَقُلْنَا - فِي الْبَيَانِ عَمَّا يَحْوِيهِ الْقُرْآنُ مِنَ النُّورِ وَالْبُرْهَانِ ، وَالْحِكْمَةِ وَالتِّبْيَانِ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ إِيَّاهُ : مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ ، وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ ، وَمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ ، وَلِطَائِفِ حِكَمِهِ - مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ .
وَنَحْنُ قَائِلُونَ فِي الْبَيَانِ عَنْ وُجُوهِ مَطَالِبِ تَأْوِيلِهِ :
قَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ ، لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [ سُورَةُ النَّحْلِ : 44 ] ، وَقَالَ أَيْضًا جَلَّ ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [ سُورَةُ النَّحْلِ : 64 ، ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) [ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 7 ] .
فَقَدْ تَبَيَّنَ بِبَيَانِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ :
[ ص: 74 ]
أَنَّ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَا لَا يُوصَلُ إِلَى عِلْمِ تَأْوِيلِهِ إِلَّا بِبَيَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَذَلِكَ تَأْوِيلُ جَمِيعِ مَا فِيهِ : مِنْ وُجُوهِ أَمْرِهِ - وَاجِبِهِ وَنَدْبِهِ وَإِرْشَادِهِ - ، وَصُنُوفِ نَهْيِهِ ، وَوَظَائِفِ حُقُوقِهِ وَحُدُودِهِ ، وَمَبَالِغِ فَرَائِضِهِ ، وَمَقَادِيرِ اللَّازِمِ بَعْضَ خَلْقِهِ لِبَعْضٍ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ آيِهِ ، الَّتِي لَمْ يُدْرَكْ عِلْمُهَا إِلَّا بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ . وَهَذَا وَجْهٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْقَوْلُ فِيهِ ، إِلَّا بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ تَأْوِيلَهُ بِنَصٍّ مِنْهُ عَلَيْهِ ، أَوْ بِدَلَالَةٍ قَدْ نَصَبَهَا ، دَالَّةٍ أُمَّتَهُ عَلَى تَأْوِيلِهِ .
وَأَنَّ مِنْهُ مَا لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . وَذَلِكَ مَا فِيهِ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ آجَالٍ حَادِثَةٍ ، وَأَوْقَاتٍ آتِيَةٍ ، كَوَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ ، وَالنَّفْخِ فِي الصُّورِ ، وَنُزُولِ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ : فَإِنَّ تِلْكَ أَوْقَاتٌ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ حُدُودَهَا ، وَلَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنْ تَأْوِيلِهَا إِلَّا الْخَبَرَ بِأَشْرَاطِهَا ، لِاسْتِئْثَارِ اللَّهِ بِعِلْمِ ذَلِكَ عَلَى خَلْقِهِ . وَبِذَلِكَ أَنْزَلَ رَبُّنَا مُحْكَمَ كِتَابِهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) [ سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 187 . وَكَانَ نَبِيُّنَا
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ إِلَّا بِأَشْرَاطِهِ دُونَ تَحْدِيدِهِ بِوَقْتِهِ كَالَّذِي
nindex.php?page=hadith&LINKID=811233رَوَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ ، إِذْ ذُكِرَ الدَّجَّالُ : إِنْ يُخْرَجْ وَأَنَا فِيكُمْ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ ، وَإِنْ يَخْرُجْ بَعْدِي ، فَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ " وَمَا أَشْبَهَ
[ ص: 75 ] ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ - الَّتِي يَطُولُ بِاسْتِيعَابِهَا الْكِتَابُ - الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمُ أَوْقَاتِ شَيْءٍ مِنْهُ بِمَقَادِيرِ السِّنِينَ وَالْأَيَّامِ ، وَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا كَانَ عَرَّفَهُ مَجِيئَهُ بِأَشْرَاطِهِ ، وَوَقَّتَهُ بِأَدِلَّتِهِ .
وَأَنَّ مِنْهُ مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ كُلُّ ذِي عِلْمٍ بِاللِّسَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ . وَذَلِكَ : إِقَامَةُ إِعْرَابِهِ ، وَمَعْرِفَةُ الْمُسَمَّيَاتِ بِأَسْمَائِهَا اللَّازِمَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ فِيهَا ، وَالْمَوْصُوفَاتِ بِصِفَاتِهَا الْخَاصَّةِ دُونَ مَا سِوَاهَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ . وَذَلِكَ كَسَامِعٍ مِنْهُمْ لَوْ سَمِعَ تَالِيًا يَتْلُو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 11 ، 12 ] ، لَمْ يَجْهَلْ أَنَّ مَعْنَى الْإِفْسَادِ هُوَ مَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ مِمَّا هُوَ مَضَرَّةٌ ، وَأَنَّ الْإِصْلَاحَ هُوَ مَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ مِمَّا فِعْلُهُ مَنْفَعَةٌ ، وَإِنْ جَهِلَ الْمَعَانِيَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ إِفْسَادًا ، وَالْمَعَانِيَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ إِصْلَاحًا . فَالَّذِي يَعْلَمُهُ ذُو اللِّسَانِ - الَّذِي بِلِسَانِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ - مِنْ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ ، هُوَ مَا وَصَفْتُ : مِنْ مَعْرِفَةِ أَعْيَانِ الْمُسَمَّيَاتِ بِأَسْمَائِهَا اللَّازِمَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ فِيهَا ، وَالْمَوْصُوفَاتِ بِصِفَاتِهَا الْخَاصَّةِ ، دُونَ الْوَاجِبِ مِنْ أَحْكَامِهَا وَصَفَاتِهَا وَهَيْآتِهَا الَّتِي خَصَّ اللَّهُ بِعِلْمِهَا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَا يُدْرَكُ عِلْمُهُ إِلَّا بِبَيَانِهِ ، دُونَ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ دُونَ خَلْقِهِ .
وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَرُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ :
71 - حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15573مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
مُؤَمَّلٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11863أَبِي الزِّنَادِ ، قَالَ : قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=treesubj&link=28962التَّفْسِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : وَجْهٌ تَعْرِفُهُ
الْعَرَبُ مِنْ كَلَامِهَا ، وَتَفْسِيرٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ ، وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ ، وَتَفْسِيرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْوَجْهُ الرَّابِعُ الَّذِي ذَكَرَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ : مِنْ أَنَّ أَحَدًا
[ ص: 76 ] لَا يُعْذَرُ بِجَهَالَتِهِ ، مَعْنًى غَيْرُ الْإِبَانَةِ عَنْ وُجُوهِ مَطَالِبِ تَأْوِيلِهِ . وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ أَنَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ مَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْجَهْلُ بِهِ . وَقَدْ رُوِيَ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِيُ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرٌ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ .
72 - حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=17418يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ
عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ ، عَنِ
الْكَلْبِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12047أَبِي صَالِحٍ ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ : حَلَالٌ وَحَرَامٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِالْجَهَالَةِ بِهِ ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعَرَبُ ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعُلَمَاءُ ، وَمُتَشَابِهٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ، وَمَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَهُوَ كَاذِبٌ .